وَفِي رِوَايَةِ لِلْبُخَارِيِّ عَلَّقَهَا «مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ» وَأَسْنَدَهَا ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهَا.
ــ
[طرح التثريب]
جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَلَى كَرَاهَةِ الطُّولِ وَسَبَقَهُ إلَى إنْكَارِ ذَلِكَ عَلَى الْغَزَالِيِّ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي مُشْكِلِ الْوَسِيطِ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَلَوْ خَالَفَ وَاسْتَاكَ طُولًا حَصَلَ السِّوَاكُ وَإِنْ خَالَفَ الْمُخْتَارَ صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا، وَكَذَا قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَإِنْ اسْتَاك طُولًا حَصَلَ السِّوَاكُ مَعَ الْكَرَاهَةِ قَالَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ فِي سِوَاكِهِ بِالْجَانِبِ الْأَيْمَنِ مِنْ فَمِهِ.
[فَائِدَةٌ كون السِّوَاك وَاجِبًا عَلَى النَّبِيِّ] ١
(السَّابِعَةَ عَشْرَ) ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ السِّوَاكَ كَانَ وَاجِبًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتَدَلَّ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي عَامِرٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمِرَ بِالْوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ طَاهِرًا أَوْ غَيْرَ طَاهِرٍ فَلَمَّا شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ أُمِرَ بِالسِّوَاكِ لِكُلِّ صَلَاةٍ» وَفِي إسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَقَدْ رَوَاهُ بِالْعَنْعَنَةِ، وَهُوَ مُدَلِّسٌ.
وَحُجَّةُ مَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ وَاجِبًا عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَا جَاءَنِي جِبْرِيلُ إلَّا أَوْصَانِي بِالسِّوَاكِ حَتَّى لَقَدْ خَشِيت أَنْ يُفْرَضَ عَلَيَّ وَعَلَى أُمَّتِي» الْحَدِيثَ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ.
وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُمِرْت بِالسِّوَاكِ حَتَّى خَشِيت أَنْ يُكْتَبَ عَلَيَّ» وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَالْخَصَائِصُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَائِدَةٌ فَضْلِ التَّيْسِيرِ فِي أُمُورِ الدِّيَانَةِ وَأَنَّ مَا يَشُقُّ مِنْهَا مَكْرُوهٌ]
(الثَّامِنَةَ عَشْرَ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِ التَّيْسِيرِ فِي أُمُورِ الدِّيَانَةِ وَأَنَّ مَا يَشُقُّ مِنْهَا مَكْرُوهٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥] أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إثْمًا» .
(التَّاسِعَةَ عَشْرَ) إنْ قِيلَ قَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادِ الصَّحِيحِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتهمْ بِتَأْخِيرِ الْعِشَاءِ وَبِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ «وَلَأَخَّرْت الْعِشَاءَ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ فَلِمَ ذَهَبْتُمْ إلَى تَأَكُّدِ السِّوَاكِ عِنْدَ الصَّلَاةِ وَلَمْ تَذْهَبُوا إلَى اسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ؟ بَلْ قُلْتُمْ تَقْدِيمُهَا أَفْضَلُ عَلَى الْأَظْهَرِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَلَّلَ فِيهِ تَرْكَ الْأَمْرِ بِالْمَشَقَّةِ.
وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاظَبَ عَلَى السِّوَاكِ فَأَجْمَعُوا لِذَلِكَ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَلَمْ يُوَاظِبْ عَلَى تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ بَلْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ تَقْدِيمُهَا وَأَخَّرَهَا مَرَّةً قَبْلَ أَنْ يَفْشُوَ الْإِسْلَامُ وَكَانَ يُؤَخِّرُهَا أَحْيَانَا دُونَ ذَلِكَ فَكَانَ