. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
بِأَصْحَابِي فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا عَمْرُو وَصَلَّيْت بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ فَأَخْبَرْته بِاَلَّذِي مَنَعَنِي مِنْ الِاغْتِسَالِ وَقُلْت إنِّي سَمِعْت اللَّهَ يَقُولُ {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: ٢٩] فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا فَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الصَّلَاةِ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَنْعَ الْمُتَرَتِّبَ عَلَى الْخَارِجِ قَدْ زَالَ ثُمَّ أَثْبَتَ لَهُ وَصْفَ الْجَنَابَةِ بِقَوْلِهِ وَأَنْتَ جُنُبٌ وَهَذَا يُقَوِّي الْقَوْلَ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ أَيْ الْوَصْفَ الْحُكْمِيَّ الْمُقَدَّرَ وَإِنْ كَانَ الْحَدَثُ بِالْمَعْنَى الثَّالِثِ وَهُوَ الْمَنْعُ قَدْ زَالَ وَإِنْ اخْتَصَّ زَوَالُهُ بِبَعْضِ الْأَحْوَالِ كَفَقْدِ الْمَاءِ أَوْ وُجُودِهِ مَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَبِبَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَإِنَّهُ لَا يُرْفَعُ الْمَنْعُ إلَّا مِنْ فَرِيضَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَمَنْ يَرَى أَنَّ التَّيَمُّمَ رَافِعٌ لِلْحَدَثِ لَا يُثْبِتُ هَذَا الْمَعْنَى، وَيَقُولُ: إذَا زَالَ الْمَنْعُ لَمْ يَبْقَ حَدَثٌ.
وَالظَّاهِرُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدَثِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَوْ الثَّانِي وَلَا يُمْكِنُ إرَادَةُ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ هُوَ الدَّالُّ عَلَى الْمَنْعِ فَلَوْ حَمَلْنَا قَوْلَهُ إذَا أَحْدَثَ عَلَى الْمَنْعِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَائِدَةٌ.
(فَإِنْ قُلْت) إنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ أَنْ لَوْ قَالَ يَحْرُمُ عَلَى أَحَدِكُمْ الصَّلَاةُ إذَا أَحْدَثَ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى أَحْدَثَ هُنَا: مَنَعَ لِاتِّحَادِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، وَاَلَّذِي فِي الْحَدِيثِ إنَّمَا هُوَ نَفْيُ الْقَبُولِ وَلَا امْتِنَاعَ فِي أَنْ يُقَالَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إذَا مَنَعَ مِنْ الصَّلَاةِ حَتَّى يَتَوَضَّأَ.
(قُلْت) قَدْ قُرِّرَتْ دَلَالَةُ نَفْيِ الْقَبُولِ عَلَى نَفْيِ الصِّحَّةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَدَلَالَةُ نَفْيِ الصِّحَّةِ عَلَى التَّحْرِيمِ فَالتَّحْرِيمُ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِالْحَدِيثِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُصَرَّحًا بِهِ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَائِدَةٌ الْمُرَادَ بِالْحَدَثِ هُنَا جَمِيعُ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ] ١
(الثَّامِنَةُ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدَثِ هُنَا جَمِيعُ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ وَهِيَ مُفَصَّلَةٌ فِي مَوَاضِعِهَا، وَقَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ: قَوْلُهُ «أَحْدَثَ» كِنَايَةٌ عَمَّا يَخْرُجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ مُعْتَادًا فِي جِنْسِهِ وَأَوْقَاتِهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَجُلِّ أَصْحَابِهِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَالشَّافِعِيُّ الْمُعْتَبَرُ الْخَارِجُ النَّجَسُ وَحْدَهُ فَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَرَجَ نَقَضَ وَأَوْجَبَ انْتَهَى.
وَفِيهِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِتَخْصِيصِهِ بِالْخَارِجِ الْمَخْصُوصِ فَسَائِرُ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ أَحْدَاثٌ وَعَلَى ذَلِكَ مَشَى ابْنُ بَطَّالٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ كَمَا سَنَحْكِي كَلَامَهُ (ثَانِيهِمَا) فِي نَقْلِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي الْخَارِجِ كَوْنُهُ نَجِسًا بَلْ لَوْ كَانَ طَاهِرًا كَالدُّودِ وَالْحَصَى نَقَضَ أَيْضًا.
(الثَّانِي) أَنَّهُ لَا يَقُولُ بِالنَّقْضِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَرَجَ