للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

قَالَ وَرَوَى بُرْدٌ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ اغْتَسَلَ بِلَيْلٍ فِي فَضَاءٍ فَلْيَتَحَاذَرْ عَلَى عَوْرَتِهِ وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأَصَابَهُ لَمَمٌ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ» وَفِي مُرْسَلَاتِ الزُّهْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَغْتَسِلُوا فِي الصَّحْرَاءِ إلَّا أَنْ لَا تَجِدُوا مُتَوَارًى فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مُتَوَارًى فَلْيَخُطَّ أَحَدُكُمْ كَالدَّائِرَةِ ثُمَّ يُسَمِّي اللَّهَ تَعَالَى وَيَغْتَسِلُ فِيهَا» وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ إنِّي لَأَغْتَسِلُ فِي الْبَيْتِ الْمُظْلِمِ فَأَحْنِي ظَهْرِي إذَا أَخَذْت ثَوْبِي حَيَاءً مِنْ رَبِّي - عَزَّ وَجَلَّ - وَعَنْهُ أَيْضًا مَا أَقَمْت صُلْبِي فِي غُسْلِي مُنْذُ أَسْلَمْت.

[فَائِدَةٌ هَلْ كَانَ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَاجِبًا فِي شَرِيعَة مُوسَى] ١

(الثَّالِثَةُ) وَجْهُ إيرَادِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِهَذَا الْحَدِيثِ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ مُوَافَقَةُ ابْنِ بَطَّالٍ وَالْقُرْطُبِيِّ عَلَى أَنَّهُ كَانَتْ شَرِيعَةُ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وُجُوبَ سَتْرِ الْعَوْرَةِ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ وَإِنَّ تَكَشُّفَ بَنِي إسْرَائِيلَ حَالَةَ اغْتِسَالِهِمْ مُجْتَمِعِينَ إنَّمَا كَانَ مِنْ عُتُوِّهِمْ وَعِصْيَانِهِمْ لِنَبِيِّهِمْ وَمِنْ الْأَحْوَالِ الَّتِي أُمِرَ بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ فِيهَا حَالَةُ الصَّلَاةِ بَلْ هِيَ أَوْلَى الْأَحْوَالِ بِذَلِكَ وَالصَّحِيحُ فِي الْأُصُولِ أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يَرِدْ نَاسِخٌ.

وَهَذِهِ الْقِصَّةُ فِيهَا زِيَادَةٌ عَلَى عَدَمِ وُرُودِ نَاسِخٍ فِيهَا وَهِيَ وُرُودُ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ بِتَقْرِيرِهَا وَمُوَافَقَتِهَا وَإِذَا ثَبَتَ الْأَمْرُ بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ فِي حَالَةِ الصَّلَاةِ كَانَ كَشْفُهَا فِي حَالَةِ الصَّلَاةِ مَنْهِيًّا عَنْهُ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ وَإِذَا كَانَ الْكَشْفُ فِي الصَّلَاةِ مَنْهِيًّا عَنْهُ فَالنَّهْيُ يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ إمَّا مُطْلَقًا أَوْ فِي الْعِبَادَاتِ خَاصَّةً كَمَا قُرِّرَ فِي الْأُصُولِ وَهَذَا مِنْ النَّهْيِ فِي الْعِبَادَاتِ فَيَكُونُ دَالًّا عَلَى الْفَسَادِ.

وَمَتَى قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى فَسَادِ صَلَاةِ مَنْ صَلَّى مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ هُوَ الْمَقْصُودُ بَعْدَ ثُبُوتِ هَذِهِ الْمُقَدَّمَاتِ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْمُرَادُ بِالْحَائِضِ مَنْ بَلَغَتْ سِنَّ الْحَيْضِ وَدَلَالَةُ انْتِفَاءِ الْعُقُولِ عَلَى انْتِفَاءِ الصِّحَّةِ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهَا فِي الْكَلَامِ عَلَى الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ.

وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَيْضًا، وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ هُوَ شَرْطٌ مَعَ الذِّكْرِ دُونَ السَّهْوِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ سُنَّةٌ قَالَ ابْنُ شَاسٍ فِي الْجَوَاهِرِ هَلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>