. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
وَالسَّلَامِ وَنَحْوِ هَذَا، وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْإِعْرَاضِ تَدَابُرٌ؛ لِأَنَّ مَنْ أَبْغَضْته أَعْرَضْت عَنْهُ وَمَنْ أَعْرَضْت عَنْهُ وَلَّيْته دُبُرَك، وَكَذَلِكَ يَصْنَعُ هُوَ بِك وَمَنْ أَحْبَبْته أَقْبَلْت عَلَيْهِ وَوَاجِهَته تَسُرُّهُ وَيَسُرُّك فَمَعْنَى تَدَابَرُوا وَتَقَاطَعُوا وَتَبَاغَضُوا مَعْنًى مُتَدَاخِلٌ مُتَقَارِبٌ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قِيلَ «لَا تَدَابَرُوا» أَيْ لَا تَخَاذَلُوا وَلَا يَبْغِي بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ الْغَوَائِلَ بَلْ تَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ «لَا تَدَابَرُوا» أَيْ لَا تَفْعَلُوا فِعْلَ الْمُتَبَاغِضِينَ الَّذِينَ يُدْبِرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ أَيْ يُوَلِّيهِ دُبُرَهُ فِعْلَ الْمُعْرِضِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ تَضَمَّنَ هَذَا الْحَدِيثُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبْغِضَ الْمُسْلِمُ أَخَاهُ وَلَا يُدْبِرَ عَنْهُ بِوَجْهِهِ إذَا رَآهُ وَلَا يَقْطَعَهُ بَعْدَ صُحْبَتِهِ لَهُ فِي غَيْرِ حُرْمَةٍ أَوْ فِي حُرْمَةٍ يَجُوزُ لَهُ الْعَفْوُ عَنْهُ وَلَا يَحْسُدُهُ عَلَى نِعْمَةِ اللَّهِ عِنْدَهُ حَسَدًا يُؤْذِيهِ بِهِ وَلَا يُنَافِسُهُ فِي دُنْيَاهُ وَحَسْبُهُ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ. .
١ -
(الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) : قَوْلُهُ «وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا:» قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ أَيْ كُونُوا كَإِخْوَانِ النَّسَبِ فِي الشَّفَقَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمُوَاسَاةِ وَالْمُعَاوَنَةِ وَالنَّصِيحَةِ وَقَوْلُهُ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ فِي الصَّحِيحِ «كَمَا أَمَرَكُمْ اللَّهُ:» يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ كُونُوا إخْوَانًا؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هُوَ أَمْرُ اللَّهِ، وَهُوَ مُبَلِّغٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: ١٠] فَإِنَّهُ خَبَرٌ عَنْ الْمَشْرُوعِيَّةِ الَّتِي يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَكُونُوا عَلَيْهَا فَفِيهَا مَعْنَى الْأَمْرِ. .
[فَائِدَة الْهِجْرَة بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ لَيَالٍ] ١
(الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) : قَوْلُهُ «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ:» قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَحْرِيمُ الْهِجْرَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ لَيَالٍ وَإِبَاحَتُهَا فِي الثَّلَاثِ الْأُوَلِ بِنَصِّ الْحَدِيثِ وَالثَّانِي بِمَفْهُومِهِ قَالُوا، وَإِنَّمَا عُفِيَ عَنْهَا فِي الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مَجْبُولٌ عَلَى الْغَضَبِ وَسُوءِ الْخُلُقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَعُفِيَ عَنْ الْهِجْرَةِ فِي الثَّلَاثِ لِيَذْهَبَ ذَلِكَ الْعَارِضُ وَقِيلَ إنَّ الْحَدِيثَ لَا يَقْتَضِي إبَاحَةَ الْهِجْرَةِ ثَلَاثًا وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ لَا يُحْتَجُّ بِالْمَفْهُومِ وَدَلِيلِ الْخِطَابِ (قُلْت) : وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنْ التَّشْدِيدِ مَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «فَمَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ» .
(السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) : قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ الْمُعْتَبَرُ ثَلَاثُ لَيَالٍ فَإِنْ بَدَأَ بِالْهِجْرَةِ فِي بَعْضِ يَوْمٍ فَلَهُ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute