للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

جَاءَ الْقَتْلُ بِمَعْنَى اللَّعْنِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْمَعْنَى فِي الْمُقَاتَلَةِ مُقَاتَلَتُهُ بِلِسَانِهِ.

{الثَّامِنَةُ} الْمُفَاعَلَةُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ قَاتَلَهُ وَشَاتَمَهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهَا فِي وُجُودِ الْمُقَاتَلَةِ وَالْمُشَاتَمَةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَكُفَّ نَفْسَهُ عَنْ ذَلِكَ وَيَقُولَ إنِّي صَائِمٌ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى قَتَلَهُ مُتَعَرِّضًا لِمُقَاتَلَتِهِ وَشَتَمَهُ مُتَعَرِّضًا لِمُشَاتَمَتِهِ فَالْمُفَاعَلَةُ حِينَئِذٍ مَوْجُودَةٌ بِتَأْوِيلٍ وَهُوَ إرَادَةُ الْقَاتِلِ وَالشَّاتِمِ لِذَلِكَ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمُفَاعَلَةَ تَكُونُ لِفِعْلِ الْوَاحِدِ كَمَا يُقَالُ سَافَرَ وَعَالَجَ الْأَمْرَ وَعَافَاهُ اللَّهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَ ذَلِكَ أَيْضًا وَقَالَ لَا تَجِيءُ الْمُفَاعَلَةُ إلَّا مِنْ اثْنَيْنِ إلَّا بِتَأْوِيلٍ وَلَعَلَّ قَائِلًا يَقُولُ إنَّ الْمُفَاعَلَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى ظَاهِرِهَا بِأَنْ يَكُونَ بَدَرَ مِنْهُ مُقَابَلَةُ الشَّتْمِ بِمِثْلِهِ بِمُقْتَضَى الطَّبْعِ بِأَنْ يَنْزَجِرَ عَنْ ذَلِكَ وَيَقُولَ إنِّي صَائِمٌ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ الْمُفَاعَلَةِ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى شَتَمَهُ، وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ «وَإِنْ جَهِلَ عَلَى أَحَدِكُمْ جَاهِلٌ» .

{التَّاسِعَةُ} قَوْلُهُ «فَلْيَقُلْ إنِّي صَائِمٌ» ذَكَرَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ تَأْوِيلَيْنِ:

(أَحَدُهُمَا) وَبِهِ جَزَمَ الْمُتَوَلِّي وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يَقُولُهُ فِي قَلْبِهِ لَا بِلِسَانِهِ بَلْ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِذَلِكَ وَيُذَكِّرُهَا أَنَّهُ صَائِمٌ لَا يَلِيقُ بِهِ الْجَهْلُ وَالْمُشَاتَمَةُ لِيَنْزَجِرَ بِذَلِكَ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ يَقُولُ بِلِسَانِهِ وَيُسْمِعَهُ صَاحِبَهُ لِيَزْجُرَهُ عَنْ نَفْسِهِ وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ وَغَيْرِهَا فَقَالَ إنَّهُ أَظْهَرَ الْوَجْهَيْنِ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ التَّأْوِيلَانِ حَسَنَانِ وَالْقَوْلُ بِاللِّسَانِ أَقْوَى وَلَوْ جَمَعَهُمَا كَانَ حَسَنًا انْتَهَى وَحَكَى الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَجْهًا وَاسْتَحْسَنَهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ صَوْمُ رَمَضَانَ فَيَقُولُهُ بِلِسَانِهِ وَإِنْ كَانَ نَفْلًا فَبِقَلْبِهِ، وَادَّعَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّ مَوْضِعَ الْخِلَافِ فِي التَّطَوُّعِ وَأَنَّهُ فِي الْفَرْضِ يَقُولُ ذَلِكَ بِلِسَانِهِ قَطْعًا فَقَالَ: لَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ أَنَّهُ يَقُولُ ذَلِكَ مُصَرِّحًا بِهِ فِي صَوْمِ الْفَرْضِ كَانَ رَمَضَانَ أَوْ قَضَاءَهُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْفَرْضِ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّطَوُّعِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُصَرِّحُ بِهِ وَلْيَقُلْ لِنَفْسِهِ: إنِّي صَائِمٌ فَكَيْفَ أَقُولُ الرَّفَثَ انْتَهَى.

وَيَدُلُّ عَلَى الْقَوْلِ بِاللِّسَانِ قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ عِنْدَ النَّسَائِيّ فِيمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ يَنْهَى ذَلِكَ عَنْ مُرَاجَعَةِ الصَّائِمِ.

[فَائِدَة قَوْلُ الصَّائِم إنِّي صَائِم] ١

{الْعَاشِرَةُ} فِيهِ اسْتِحْبَابُ تَكْرِيرِ هَذَا الْقَوْلِ وَهُوَ إنِّي صَائِمٌ سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّهُ يَقُولُهُ بِلِسَانِهِ أَمْ بِقَلْبِهِ لِيَتَأَكَّدَ انْزِجَارُهُ أَوْ انْزِجَارُ مَنْ يُخَاطِبُهُ بِذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>