. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
أَظْهَرَهُ وَلَا رَتَّبَ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ كَيْفَ يَكُونُ مَأْثُومًا بِذَلِكَ، وَقَدْ عَرَفَ أَنَّ الْخَوَاطِرَ مَرْفُوعَةٌ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ (قُلْت) : إذَا لَمْ يَسْتَرْسِلْ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَتَسَبَّبْ فِي تَأْكِيدِ أَسْبَابِ الْكَرَاهَةِ الْمُؤَدِّيَةِ لِذَلِكَ وَكَانَ مَعَ هَذَا التَّمَنِّي بِحَيْثُ لَوْ تَمَكَّنَ مِنْ إزَالَةِ تِلْكَ النِّعْمَةِ لَمْ يُزِلْهَا وَلَمْ يَسْعَ فِي إخْرَاجِهَا عَنْهُ، وَإِنَّمَا عِنْدَهُ خَوَاطِرُ لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهَا وَلَا يَسْعَى فِي تَنْفِيذِ مَقْصُودِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ حَرَجٌ وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ آدَمَ إلَّا وَقَدْ خُلِقَ مَعَهُ الْحَسَدُ فَمَنْ لَمْ يُجَاوِزْ ذَلِكَ إلَى الْبَغْيِ وَالظُّلْمِ لَمْ يَتْبَعْهُ مِنْهُ شَيْءٌ ثُمَّ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِسْنَادٍ لَا أَحْفَظُهُ فِي وَقْتِي هَذَا أَنَّهُ قَالَ «إذَا حَسَدْتُمْ فَلَا تَبْغُوا، وَإِذَا ظَنَنْتُمْ فَلَا تُحَقِّقُوا، وَإِذَا تَطَيَّرْتُمْ فَامْضُوا وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا:» ثُمَّ قَالَ وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثَلَاثٌ لَا يَسْلَمُ مِنْهَا أَحَدٌ الطِّيَرَةُ وَالظَّنُّ وَالْحَسَدُ، قِيلَ فَمَا الْمَخْرَجُ مِنْهُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إذَا تَطَيَّرْت فَلَا تَرْجِعْ، وَإِذَا ظَنَنْت فَلَا تُحَقِّقْ، وَإِذَا حَسَدْت فَلَا تَبْغِ:» .
[فَائِدَة الْأَهْوَاء الْمُضِلَّة الْمُوجِبَة لِلتَّبَاغُضِ] ١
(الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) : قَوْلُهُ «وَلَا تَبَاغَضُوا» أَيْ لَا تَتَعَاطَوْا أَسْبَابَ الْبُغْضِ؛ لِأَنَّ الْحُبَّ وَالْبُغْضَ مَعَانٍ قَلْبِيَّةٌ لَا قُدْرَةَ لِلْإِنْسَانِ عَلَى اكْتِسَابِهَا وَلَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهَا كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ:» يَعْنِي الْحُبَّ وَالْبُغْضَ قَالَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ قَالَ الْقَاضِي قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الْمَعَانِي «تَبَاغَضُوا:» إشَارَةٌ إلَى النَّهْيِ عَنْ الْأَهْوَاءٍ الْمُضِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّبَاغُضِ. .
[فَائِدَة الْمُتَبَاغِضُونَ الَّذِينَ يُدْبِرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ]
(الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) : قَوْلُهُ «وَلَا تَدَابَرُوا:» قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ لَا تُهَاجِرُوا بِالتَّصَارُمِ مَأْخُوذٌ مِنْ الرَّجُلِ دَبَرَهُ أَخَاهُ إذَا رَآهُ وَإِعْرَاضُهُ عَنْهُ.
وَقَالَ الْمُؤَرِّخُ قَوْلُهُ «وَلَا تَدَابَرُوا:» مَعْنَاهُ تَوْلِيَةُ أَنِيبُوا وَلَا تَسْتَأْثِرُوا وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ الْأَعْشَى
وَمُسْتَدْبِرٌ بِاَلَّذِي عِنْدَهُ ... عَنْ الْعَاذِلَاتِ وَإِرْشَادِهَا
وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّمَا قِيلَ لِلْمُسْتَأْثِرِ مُسْتَدْبِرًا؛ لِأَنَّهُ يُوَلِّي عَنْ أَصْحَابِهِ إذَا اسْتَأْثَرَ بِشَيْءٍ دُونَهُمْ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ التَّدَابُرُ الْمُعَادَاةُ يُقَالُ دَابَرْتُ الرَّجُلَ عَادَيْته وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا تُقَاطِعُوا وَلَا تُهَاجِرُوا؛ لِأَنَّ الْمُهَاجِرَيْنِ إذَا وَلَّى أَحَدُهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ فَقَدْ وَلَّاهُ دُبُرَهُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ التَّدَابُرُ الْإِعْرَاضُ وَتَرْكُ الْكَلَامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute