وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَوْمَ الْخَنْدَقِ: مَلَأَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا كَمَا حَبَسُونَا عَنْ صَلَاةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ»
ــ
[طرح التثريب]
وَغَيْرُهُ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ: إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَنْصَرِفُ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ، وَالشَّمْسُ فِي وَسَطِ الْحُجْرَةِ لَمْ يَصْعَدْ فَيْؤُهَا فِي جُدُرِهَا، وَذَلِكَ لِسَعَةِ سَاحَتِهَا وَقِصَرِ جُدْرَانِهَا انْتَهَى.
وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ سِعَةِ سَاحَتِهَا خِلَافُ الْمَعْرُوفِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ بَقَاءُ الشَّمْسِ فِيهَا أَوَّلَ وَقْتِ الْعَصْرِ عَلَى سَعَةِ سَاحَتِهَا بَلْ يَحْصُلُ ذَلِكَ بِأَنْ تَكُونَ الْعَرْصَةُ أَوْسَعَ مِنْ طُولِ الْجِدَارِ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ النَّوَوِيِّ، وَذَلِكَ لَا يُصَيِّرُهَا وَاسِعَةً، وَمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ دَلَالَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى التَّعْجِيلِ بِصَلَاةِ الْعَصْرِ قَدْ فَهِمَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَاسْتَدَلَّتْ بِهِ عَلَى ذَلِكَ وَفَهِمَهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ رِوَايَةً عَنْهَا، وَأَنْكَرَ بِهِ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ تَأْخِيرَهُ صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَشَذَّ الطَّحَاوِيُّ فَنَاضَلَ عَنْ مَذْهَبِهِ فِي تَأْخِيرِ الْعَصْرِ بِأَنْ حَاوَلَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ: قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَقَدْ أَخَّرَ الْعَصْرَ لِقِصَرِ حُجْرَتِهَا فَلَمْ تَكُنْ الشَّمْسُ تَنْقَطِعُ عَنْهَا إلَّا بِقُرْبِ غُرُوبِهَا فَلَا دَلَالَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى تَعْجِيلِ الْعَصْرِ انْتَهَى.
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ لَا يُمْكِنُ مَعَ ضِيقِ الْحُجْرَةِ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ صِفَتِهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثَةُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى قِصَرِ بُنْيَانِهِمْ وَحِيطَانِهِمْ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ إنَّمَا قُصِدَ بِهِ تَعْجِيلُ الْعَصْرِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ مَعَ قِصَرِ الْحِيطَانِ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كُنْت أَدْخُلُ بُيُوتَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا مُحْتَلِمٌ فَأَنَالُ سَقْفَهَا بِيَدِي، وَذَلِكَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
[حَدِيث مَلَأَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا كَمَا حَبَسُونَا عَنْ الصَّلَاةِ]
(الْحَدِيثُ الْخَامِسُ) وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْخَنْدَقِ «مَا لَهُمْ مَلَأَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا كَمَا حَبَسُونَا عَنْ صَلَاةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ» فِيهِ فَوَائِدُ:
(الْأُولَى) يَوْمَ الْخَنْدَقِ إحْدَى غَزَوَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُقَالُ لَهُ يَوْمُ الْأَحْزَابِ، وَقَدْ عَبَّرَ بِهِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ كَانَ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute