للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

وَصَرَّحَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ هَذَا النَّهْيَ لِلتَّحْرِيمِ وَقَيَّدَ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ رِضَاهُ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: إلَّا أَنْ يَأْذَنَ وَالْإِذْنُ أَخَصُّ مِنْ الرِّضَا فَقَدْ يُعْلَمُ رِضَاهُ بِذَلِكَ بِقَرِينَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ صَرِيحًا، وَقَدْ يُقَالُ: الْمُرَادُ الْإِذْنُ الصَّرِيحُ أَوْ الْمَفْهُومُ بِالْقَرِينَةِ فَيَسْتَوِيَانِ وَلَا يُقَالُ: الرِّضَا أَخَصُّ فَإِنَّهُ قَدْ يَأْذَنُ بِالْمُحَايَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِبَاطِنِهِ؛ لِأَنَّ الرِّضَى أَمْرٌ خَفِيٌّ لَا نَطَّلِعُ عَلَيْهِ وَالْحُكْمُ إنَّمَا هُوَ مَنُوطٌ بِالْإِذْنِ الدَّالِّ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: إلَّا أَنْ يَسْتَأْذِنَاهُ، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بَيْدَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُشَاوِرَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ صَرِيحُ حَقِّهِ.

[فَائِدَة حُكْم التَّنَاجِي إذَا كَانُوا أَرْبَعَةً] ١

(الْخَامِسَةُ) مَفْهُومُ التَّقْيِيدِ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا أَرْبَعَةً لَمْ يَمْتَنِعْ تَنَاجِي اثْنَيْنِ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ الْآخَرَيْنِ مُتَمَكِّنَانِ مِنْ التَّنَاجِي وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ وَحَكَى النَّوَوِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ.

(السَّادِسَةُ) عَلَّلَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِقَوْلِهِ «حَتَّى يَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُحْزِنَهُ» وَفِي رِوَايَةٍ «فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ» وَهُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّهَا وَقُرِئَ بِهِمَا فِي السَّبْعِ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ إنَّمَا قَالَ: يُحْزِنُهُ لِأَحَدِ مَعْنَيَيْنِ:

(أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ يُتَوَهَّمُ أَنَّ نَجَوَاهُمَا إنَّمَا هِيَ لِتَبْيِيتِ رَأْيٍ أَوْ دَسِيسِ غَائِلَةٍ لَهُ وَالْمَعْنَى الْإِحْزَانُ، وَذَلِكَ مِنْ أَجْلِ الِاخْتِصَاصِ بِإِكْرَامِهِ وَهُوَ يُحْزِنُ صَاحِبَهُ، وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ بِتَلْخِيصٍ وَأَشَارَ إلَى الزِّيَادَةِ عَلَيْهِمَا فَقَالَ: يُحْزِنُهُ أَيْ يَقَعُ فِي نَفْسِهِ مَا يَحْزَنُ لِأَجْلِهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُقَدِّرَ فِي نَفْسِهِ أَنَّ الْحَدِيثَ عَنْهُ بِمَا يَكْرَهُ أَوْ أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْهُ أَهْلًا؛ لَأَنْ يُشْرِكُوهُ فِي حَدِيثِهِمْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُلْقِيَاتِ الشَّيْطَانِ وَحَدِيثِ النَّفْسِ. انْتَهَى.

وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ شِهَابٍ مُرْسَلًا وَفِيهِ «لَا تَدَعُوا صَاحِبَكُمْ نَجِيًّا لِلشَّيْطَانِ» وَقَالَ: قَوْلُهُ: نَجِيًّا لِلشَّيْطَانِ، يُرِيدُ لِأَنَّهُ يُوَسْوِسُ فِي صَدْرِهِ مِنْ جِهَتِهِمَا مَا يُحْزِنُهُ.

[فَائِدَة الْجَمَاعَةُ لَا يَتَنَاجَوْنَ دُونَ وَاحِدٍ]

(السَّابِعَةُ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَكَذَلِكَ الْجَمَاعَةُ عِنْدَنَا لَا يَتَنَاجَوْنَ دُونَ وَاحِدٍ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقَعُ فِي نَفْسِهِ أَنَّ الْحَدِيثَ عَنْهُ بِمَا يَكْرَهُ أَوْ أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْهُ أَهْلًا لِاطِّلَاعِهِ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ إذَا شَارَكَهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ يَزُولُ الْحُزْنُ عَنْهُ بِالْمُشَارَكَةِ، وَكَذَا قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فَإِنْ كَانُوا أَرْبَعَةً فَقَدْ نَصَّ عُلَمَاؤُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَنَاجَى ثَلَاثَةٌ دُونَ وَاحِدٍ وَتَبِعَهُمَا النَّوَوِيُّ فَقَالَ: وَكَذَا ثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرُ بِحَضْرَةِ وَاحِدٍ، وَكَذَا قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>