للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَتَحَرَّى أَحَدُكُمْ فَيُصَلِّيَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا عِنْدَ غُرُوبِهَا»

ــ

[طرح التثريب]

رَوَاهَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ، وَمَالَهُ، وَهُوَ قَاعِدٌ» وَكَأَنَّ مَعْنَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ أَنَّهُ وُتِرَ هَذَا الْوِتْرَ، وَهُوَ قَاعِدٌ غَيْرُ مُقَاتِلٍ عَنْهُمْ وَلَا ذَابٍّ، وَهَذَا أَبْلَغُ فِي الْغَمِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَبَّ عَنْهُمْ وَقَاتَلَ وَمَعَ ذَلِكَ غُلِبَ كَانَ أَسْلَى لَهُ وَأَدْفَعَ لِلْغَمِّ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَكَ الْمُقَاتَلَةَ عَنْهُمْ إمَّا لِلْعَجْزِ عَنْ ذَلِكَ أَوْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَهُوَ قَاعِدٌ أَيْ مُشَاهِدٌ لِتِلْكَ الْمُصِيبَةِ غَيْرُ غَائِبٍ عَنْهَا فَهُوَ أَشَدُّ لِتَحَسُّرِهِ وَأَبْلَغُ فِي غَمِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[حَدِيثٌ لَا يَتَحَرَّى أَحَدُكُمْ فَيُصَلِّيَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا عِنْدَ غُرُوبِهَا]

(الْحَدِيثُ السَّابِعُ) وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَتَحَرَّى أَحَدُكُمْ فَيُصَلِّيَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا عِنْدَ غُرُوبِهَا» فِيهِ فَوَائِدُ:

(الْأُولَى) تَحَرِّي الشَّيْءِ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَالرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ قَصْدُهُ وَتَوَخِّيهِ وَتَعَمُّدُهُ وَتَخْصِيصُهُ بِأَمْرٍ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} [الجن: ١٤] أَيْ تَوَخَّوْا وَتَعَمَّدُوا، وَهُوَ طَلَبُ مَا هُوَ أَحْرَى أَيْ أَجْدَرُ بِالِاسْتِعْمَالِ فِي غَالِبِ الظَّنِّ فَقَوْلُهُ: لَا يَتَحَرَّى أَحَدُكُمْ إلَى آخِرِهِ أَيْ لَا يَقْصِدْ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ لِتَخْصِيصِهِمَا بِإِيقَاعِ الصَّلَاةِ فِيهِمَا.

وَكَذَا وَقَعَ فِي الْمُوَطَّإِ، وَالصَّحِيحَيْنِ لَا يَتَحَرَّى بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ وَكَانَ الْوَجْهُ حَذْفُهَا لِيَكُونَ ذَلِكَ عَلَامَةَ جَزْمِهِ وَلَكِنَّ الْإِثْبَاتَ إشْبَاعٌ فَهُوَ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} [يوسف: ٩٠] فِيمَنْ قَرَّا بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ وَقَوْلُهُ فَيُصَلِّيَ بِالنَّصْبِ فِي جَوَابِ النَّهْيِ.

(الثَّانِيَةُ) فِيهِ النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْهُمْ، وَالْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ صَلَاةَ التَّطَوُّعِ وَالنَّوَافِلِ كُلَّهَا غَيْرُ جَائِزٍ شَيْءٌ مِنْهَا أَنْ يُصَلَّى عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا عِنْدَ غُرُوبِهَا انْتَهَى.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ أَجْمَعَتْ الْأَمَةُ عَلَى كَرَاهَةِ صَلَاةٍ لَا سَبَبَ لَهَا فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>