. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
(الْخَامِسَةُ) أَطْلَقَ فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ أَنَّ فِيهَا شِفَاءً وَقَالَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إلَّا السَّامَ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَكْثَرُهُمْ هَذَا مِنْ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا مِنْ عُمُومِ اللَّفْظِ الَّذِي يُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ إذْ لَيْسَ يَجْتَمِعُ فِي طَبْعِ شَيْءٍ مِنْ النَّبَاتِ وَالشَّجَرِ جَمِيعُ الْقُوَى الَّتِي تُقَابِلُ الطَّبَائِعَ كُلَّهَا فِي مُعَالَجَةِ الْأَدْوَاءِ عَلَى اخْتِلَافِهَا وَتَبَايُنِ طَبَائِعِهَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ يَحْدُثُ مِنْ الرُّطُوبَةِ أَوْ الْبَلْغَمِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ حَارٌّ يَابِسٌ فَهُوَ شِفَاءٌ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى لِلدَّاءِ الْمُقَابِلِ لَهُ فِي الرُّطُوبَةِ وَالْبُرُودَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الدَّوَاءَ أَبَدًا بِالْمُضَادِّ وَالْغِذَاءَ بِالْمُشَاكِلِ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: الْعَسَلُ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ إلَى أَنْ يَكُونَ دَوَاءً لِكُلِّ دَاءٍ أَقْرَبُ مِنْ الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مِنْ الْأَمْرَاضِ مَا إذَا شَرِبَ صَاحِبُهُ الْعَسَلَ خَلَقَ اللَّهُ الْأَلَمَ بَعْدَهُ، وَأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْعَسَلِ {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل: ٦٩] إنَّمَا هُوَ فِي الْأَغْلَبِ.
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْعِلَلِ الْبَارِدَةِ عَلَى نَحْوِ مَا سَبَقَ فِي الْقِسْطِ وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ يَصِفُ بِحَسَبِ مَا شَاهَدَهُ مِنْ غَالِبِ حَالِ الصَّحَابَةِ فِي الزَّمَنِ الَّذِي يُخَالِطُهُمْ فِيهِ، ثُمَّ نَقَلَا عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَا يُبْعِدُ مَنْفَعَةَ الْحَارِّ مِنْ أَدْوَاءٍ حَارَّةٍ لِخَوَاصَّ فِيهَا فَقَدْ نَجِدُ ذَلِكَ فِي أَدْوِيَةٍ كَثِيرَةٍ فَيَكُونُ الشُّونِيزُ مِنْهَا لِعُمُومِ الْحَدِيثِ، وَيَكُونُ اسْتِعْمَالُهُ أَحْيَانًا مُنْفَرِدًا وَأَحْيَانًا مُرَكَّبًا قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْآخَرِ تُحْمَلُ كُلِّيَّةُ الْحَدِيثِ عَلَى عُمُومِهَا، وَإِحَاطَتِهَا وَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ الْأَدْوَاءِ شَيْءٌ إلَّا الدَّاءُ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ الْمَوْتِ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَكُونُ ذَلِكَ الْعُمُومُ مَحْمُولًا عَلَى الْأَكْثَرِ وَالْأَغْلَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَائِدَة اسْتِحْبَابُ التَّدَاوِي] ١
(السَّادِسَةُ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّدَاوِي وَهُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا وَجُمْهُورِ السَّلَفِ وَعَامَّةِ الْخَلَفِ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ التَّدَاوِيَ مِنْ غُلَاةِ الصُّوفِيَّةِ، وَقَالَ كُلُّ شَيْءٍ بِقَضَاءٍ وَقَدَرٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّدَاوِي وَحُجَّةُ الْعُلَمَاءِ هَذَا الْحَدِيثُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ أَبْرَأَهُ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» .
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ «قَالَتْ الْأَعْرَابُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَتَدَاوَى؟ قَالَ نَعَمْ يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً إلَّا دَاءً وَاحِدًا وَهُوَ الْهَرَمُ» قَالُوا وَيَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْفَاعِلُ، وَأَنَّ التَّدَاوِيَ أَيْضًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا كَالْأَمْرِ بِالدُّعَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute