وَيَقُولَ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَكَانَ صَاحِبِ هَذَا الْقَبْرِ، وَلَيْسَ بِهِ الدَّيْنُ إلَّا الْبَلَاءُ» .
ــ
[طرح التثريب]
الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولَ يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ» (فِيهِ) فَوَائِدُ:
(الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ فِي الْفِتَنِ مِنْ صَحِيحَيْهِمَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ عَلَى قَبْرِ الرَّجُلِ فَيَتَمَرَّغَ عَلَيْهِ وَيَقُولَ يَا لَيْتَنِي كُنْت مَكَانَ صَاحِبِ هَذَا الْقَبْرِ، وَلَيْسَ بِهِ الدِّينُ إلَّا الْبَلَاءُ» .
{الثَّانِيَةُ} فِيهِ أَنَّ «مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهَا مُرُورُ الرَّجُلِ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ» ، وَهَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ وَقَعَ فَهُوَ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ الْبُلْدَانِ، وَلَا فِي كُلِّ الْأَزْمِنَةِ، وَلَا لِجَمِيعِ النَّاسِ بَلْ يَصْدُقُ هَذَا بِأَنْ يَتَّفِقَ لِبَعْضِهِمْ فِي بَعْضِ الْأَقْطَارِ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَالْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ ذَلِكَ قَدْ وَقَعَ.
[فَائِدَة مِنْ أَسْبَاب تمني الْمَوْت] ١
{الثَّالِثَةُ} يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ هَذَا التَّمَنِّي مَا يُرَى مِنْ الْبَلَاءِ وَالْمِحَنِ وَالشَّدَائِدِ وَالْفِتَنِ فَيَرَى الْمَوْتَ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الْمَصَائِبِ أَهْوَنَ مِمَّا هُوَ فِيهِ فَيَتَمَنَّى الْمُصِيبَةَ الْهَيِّنَةَ فِي اعْتِقَادِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهُ مَا يَرَى مِنْ تَغْيِيرِ الشَّرِيعَةِ وَتَبْدِيلِ الدِّينِ فَيَتَمَنَّى الْمَوْتَ لِسَلَامَةِ دِينِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ الِاحْتِمَالَيْنِ الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَالثَّانِي مِنْهُمَا مَرْدُودٌ لِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَلَيْسَ بِهِ الدِّينُ إلَّا الْبَلَاءُ أَيْ لَا يَحْمِلُهُ عَلَى ذَلِكَ أَمْرُ الدِّينِ، وَإِنَّمَا يَحْمِلُهُ عَلَيْهِ الْبَلَاءُ، وَقَدْ جَزَمَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِهَذَا الِاحْتِمَالِ الْمَرْدُودِ فَقَالَ ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُعَارِضٌ لِلنَّهْيِ عَنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ، وَقَالَ فِي هَذَا إبَاحَةُ تَمَنِّيه، وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ، وَإِنَّمَا هَذَا خَبَرُ أَنَّ ذَلِكَ سَيَكُونُ لِشِدَّةٍ تَنْزِلُ بِالنَّاسِ مِنْ فَسَادِ الْحَالِ فِي الدِّينِ، وَضَعْفِهِ، وَخَوْفِ ذَهَابِهِ لَا لِضَرَرٍ يَنْزِلُ بِالْمُؤْمِنِ فِي جِسْمِهِ اهـ، وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ رِوَايَةَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَازِمٍ تَرُدُّهُ فَإِنْ قُلْت إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَمَا الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّهْيِ عَنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ؟ قُلْت لَا مُعَارِضَةَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى جَمْعٍ لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إخْبَارٌ عَنْ شِدَّةٍ تَحْصُلُ يَنْشَأُ عَنْهَا هَذَا التَّمَنِّي، وَلَيْسَ فِيهِ الْحُكْمُ عَلَى هَذَا التَّمَنِّي بِشَيْءٍ لَا بِتَحْرِيمٍ وَلَا كَرَاهَةِ، وَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute