للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ إذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ يُذَكِّرُهُ مَا لَمْ يَذْكُرْ يَخْلِطُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ وَكَانَ فِرَارُهُ مِنْ الصَّلَاةِ الَّتِي فِيهَا السُّجُودُ أَوْلَى لَوْ كَانَ كَمَا زَعَمُوا انْتَهَى.

قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَلَا يَلْزَمُ هَذَا الِاعْتِرَاضُ إذْ لَعَلَّ نِفَارُهُ إنَّمَا كَانَ مِنْ سَمَاعِ الْأَمْرِ وَالدُّعَاءِ بِذَلِكَ لَا مِنْ رُؤْيَتِهِ لِيُغَالِطَ نَفْسَهُ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ دُعَاءً وَلَا خَالَفَ أَمْرًا (قُلْت) : أَحْسَنُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي جَوَابِ اعْتِرَاضِ ابْنِ بَطَّالٍ أَنَّ نَفْرَتَهُ عِنْدَ الْأَذَانِ إنَّمَا هُوَ تَصْمِيمٌ عَلَى مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ وَاسْتِمْرَارٌ عَلَى مَعْصِيَتِهِ وَعَدَمِ الِانْقِيَادِ إلَيْهِ وَالِاسْتِخْفَافِ بِأَوَامِرِهِ فَإِذَا دَعَا دَاعِي اللَّهِ فَرَّ مِنْهُ وَأَعْرَضَ عَنْهُ وَاسْتَخَفَّ بِهِ فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ حَضَرَ مَعَ الْمُصَلِّينَ غَيْرَ مُشَارِكٍ لَهُمْ فِي الصَّلَاةِ بَلْ سَاعِيًا فِي إبْطَالِهَا عَلَيْهِمْ، وَهَذَا أَبْلَغُ فِي الْمَعْصِيَةِ وَالِاسْتِخْفَافِ مِمَّا لَوْ غَابَ عَنْ الصَّلَاةِ بِالْكُلِّيَّةِ فَصَارَ حُضُورُهُ عِنْدَ الصَّلَاةِ مِنْ جِنْسِ نَفْرَتِهِ عِنْدَ الْأَذَانِ وَمِنْ مَهِيعٍ وَاحِدٍ.

وَمَقْصُودُهُ بِالْأَمْرَيْنِ الِاسْتِخْفَافُ بِأَوَامِرِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَعَدَمُ الِانْقِيَادِ إلَيْهَا كَمَا ذَكَرْتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَائِدَةٌ الْحِكْمَةُ فِي تَصْوِيتِ الشَّيْطَان عِنْدَ إدْبَارِهِ مِنْ سَمَاع الْأَذَان] ١

(السَّادِسَةُ) وَأَمَّا الْحِكْمَةُ فِي تَصْوِيتِهِ عِنْدَ إدْبَارِهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الْمُهَلَّبِ أَنَّ ذَلِكَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مَغْلُوبٌ عَلَيْهِ فِيهِ لِمَا حَصَلَ لَهُ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنْ يَشْتَغِلَ بِسَمَاعِ مَا يُخْرِجُهُ مِنْ الْحَدَثِ عَنْ سَمَاعِ الْأَذَانِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ الِاسْتِخْفَافُ بِالْمُؤَذِّنِ وَبِمَا يَقُولُهُ كَمَا يُعْهَدُ مِنْ حَالِ الْمُسْتَخِفِّينَ الْمُسْتَهْزِئِينَ.

(السَّابِعَةُ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي قَوْلِهِ «وَلَهُ ضُرَاطٌ» : هَذَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ إذْ هُوَ جِسْمٌ مُتَغَذٍّ يَصِحُّ مِنْهُ خُرُوجُ الرِّيحِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا عِبَارَةٌ وَاسْتِعَارَةٌ عَنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَالنِّفَارِ كَمَا يَعْتَرِي الْحِمَارَ (قُلْت) : وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ الِاسْتِخْفَافِ كَمَا قَدَّمْتُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَائِدَةٌ فَضْلُ الْأَذَانِ وَعِظَمُ قَدْرِهِ] ١

(الثَّامِنَةُ) فِيهِ فَضْلُ الْأَذَانِ وَعِظَمُ قَدْرِهِ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ يَهْرُبُ مِنْهُ وَلَا يَهْرُبُ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ أَفْضَلُ الْأَحْوَالِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ «فَإِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ» وَيَكْفِي هَذَا فِي فَضْلِ الْأَذَانِ.

[فَائِدَةٌ اسْتِحْبَابِ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْأَذَانِ] ١

(التَّاسِعَةُ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْأَذَانِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ إذَا نُودِيَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ، وَلَهُ ضُرَاطٌ إلَى غَايَةٍ لَا يَسْمَعُ فِيهَا الْأَذَانَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كُلَّمَا زَادَ فِي رَفْعِ صَوْتِهِ زَادَ الشَّيْطَانُ فِي الْإِبْعَادِ وَلَا شَكَّ فِي اسْتِحْبَابِ فِعْلِ الْأُمُورِ الَّتِي تُبْعِدُ الشَّيْطَانَ وَتَطْرُدُهُ، وَقَدْ دَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ زِيَادَةَ الرَّفْعِ زِيَادَةٌ لَهُ فِي الْإِبْعَادِ إلَّا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ قَوْلُهُ حَتَّى

<<  <  ج: ص:  >  >>