. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
مَعْنًى حَسَنٌ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ.
(الْعَاشِرَةُ) هَذِهِ الرِّوَايَةُ صَرِيحَةٌ فِي الرَّدِّ عَلَى بَعْضِ جَهَلَةِ الشِّيعَةِ حَيْثُ قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي سُقْنَاهَا مِنْ مُسْلِمٍ «مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» أَنَّهُ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّ مَا نَافِيَةٌ وَهُوَ غَلَطٌ قَبِيحٌ بَلْ هُوَ بِالرَّفْعِ وَمَا مَوْصُولَةٌ وَرِوَايَتُنَا صَرِيحَةٌ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِهِ فِيهَا «فَهُوَ صَدَقَةٌ» .
(الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) الْحَدِيثُ مُتَنَاوِلٌ لِلْحُقُوقِ أَيْضًا، وَأَشَارَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ إلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تُورَثُ عَنْهُ حُقُوقُهُ فَإِنَّهُمَا قَالَا فِيمَا لَوْ عَفَا وَاحِدٌ مِنْ بَنِي أَعْمَامِهِ عَنْ قَاذِفِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ حَدُّ الْقَذْفِ. أَوْ نَقُولُ: هُمْ لَا يَنْحَصِرُونَ فَهُوَ كَقَذْفِ مَيِّتٍ لَيْسَتْ لَهُ وَرَثَةٌ خَاصَّةً لَكِنَّ الرَّافِعِيُّ تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ يَجُوزُ أَنَّ حَدَّ قَذْفِهِ لَا يُورَثُ كَمَا لَا يُورَثُ مَا تَرَكَهُ. انْتَهَى. وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ وَهُوَ مُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثِ.
[فَائِدَة يَحْبِسَ مَالَهُ عَلَى سَبِيلٍ مِنْ سُبُلِ الْخَيْرِ] ١
(الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ فُقَهَاءُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَأَهْلُ الْحَدِيثِ مِنْ تَجْوِيزِ الْأَوْقَافِ، وَأَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَحْبِسَ مَالَهُ عَلَى سَبِيلٍ مِنْ سُبُلِ الْخَيْرِ يَجْرِي عَلَيْهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ.
(قُلْت) حَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِيمَا تَرَكَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَجْهَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ يُنْفَقُ مِنْهُ عَلَى أَهْلِهِ كَمَا يُنْفَقُ فِي حَيَاتِهِ قَالَ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ.
(وَالثَّانِي) أَنَّ سَبِيلَ مَا خَلَّفَهُ سَبِيلُ الصَّدَقَاتِ وَبِهَذَا قَطَعَ أَبُو الْعَبَّاسِ الرُّويَانِيُّ فِي الْجُرْجَانِيَّاتِ ثُمَّ حَكَى وَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ هَلْ يَصِيرُ وَقْفًا عَلَى وَرَثَتِهِ، وَأَنَّهُ إذَا صَارَ وَقْفًا هُوَ الْوَاقِفُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» وَجْهَانِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: كُلُّ هَذَا ضَعِيفٌ وَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ زَالَ مِلْكُهُ، وَأَنَّ مَا تَرَكَهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لَا تَخْتَصُّ بِهِ الْوَرَثَةُ، وَكَيْفَ يَصِحُّ غَيْرُ مَا ذَكَرْتُهُ مَعَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ فَهَذَا نَصٌّ عَلَى زَوَالِ الْمِلْكِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى.
وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ عَلَى صِحَّةِ الْوَقْفِ احْتِمَالٌ مِنْ احْتِمَالَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَائِدَة اتِّخَاذ الْأَمْوَالِ وَاكْتِسَابِ الصُّنَّاعِ] ١
(الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَيْضًا: وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ اتِّخَاذِ الْأَمْوَالِ وَاكْتِسَابِ الصُّنَّاعِ وَمَا يَسَعُ الْإِنْسَانَ لِنَفْسِهِ وَعُمَّالِهِ، وَأَهْلَيْهِمْ وَيُوَاتِيهِمْ وَمَا يَفْضُلُ عَنْ الْكِفَايَةِ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الصُّوفِيَّةِ وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَهُمْ فِي قَطْعِ الِاكْتِسَابِ الْمُبَاحِ.