للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

وَهُوَ يُنَاجِي رَجُلًا فَجَلَسْت إلَيْهِ فَدَفَعَ فِي صَدْرِي وَقَالَ: مَالَكَ أَمَا سَمِعْت أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا تَنَاجَى اثْنَانِ فَلَا يَدْخُلُ مَعَهُمَا غَيْرُهُمَا حَتَّى يَسْتَأْذِنَهُمَا» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا مَعْنًى غَيْرُ الْمَعْنَى الَّذِي قَبْلَهُ فَلَا يَجُوزُ لِلثَّلَاثَةِ أَنْ يَتَنَاجَى مِنْهُمْ اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى الْمُتَنَاجِيَيْنِ فِي حَالِ تَنَاجِيهِمَا. انْتَهَى.

(قُلْت) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْحَدِيثِ نَهْيَهُ عَنْ الدُّخُولِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي هُمَا فِيهِ، وَيُحْتَمَلُ وَهُوَ أَظْهَرُ أَنَّ مَعْنَاهُ نَهْيُهُ عَنْ الدُّخُولِ مَعَهُمَا فِي التَّنَاجِي وَالسِّرِّ وَأَمَّا قُعُودُهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ مُتَبَاعِدًا عَنْهُمَا بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ سِرَّهُمَا فَأَيُّ مَانِعٍ مِنْهُ وَقَدْ يُقَالُ لَمَّا افْتَتَحَا الْإِخْفَاءَ بِسِرِّهِمَا مِنْ غَيْرِ حُضُورِ أَحَدٍ دَلَّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُمَا الِانْفِرَادُ، وَقَدْ يَكُونُ فِي صَوْتِ الْإِنْسَانِ جَهْوَرِيَّةٌ تَمْنَعُهُ الْإِخْفَاءَ مِنْ حَاضِرِي مَجْلِسِهِ وَقَدْ يَكُونُ فِي بَعْضِ النَّاسِ ذَكَاءً يُفْهَمُ بِهِ مَا يُسَارُ بِهِ بِسَمَاعِ لَفْظَةٍ مِنْهُ، يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى مَا خَفِيَ عَنْهُ وَقَدْ يُقَالُ فِي جُلُوسِهِ مِنْ الْقُبْحِ التَّصَوُّرُ بِصُورَةِ النَّهْيِ فِي تَنَاجِي اثْنَيْنِ دُونَ ثَالِثٍ، وَقَدْ لَا يَعْلَمُ مَنْ يَرَاهُمْ كَذَلِكَ أَنَّ الثَّالِثَ طَارِئٌ عَلَيْهِمْ فَالِاحْتِرَازُ عَنْ ذَلِكَ أَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الْعَاشِرَةُ) هَلْ يُشْتَرَطُ فِي زَوَالِ النَّهْيِ بِحُضُورِ رَابِعٍ أَنْ يَكُونَ رَفِيقًا لَهُمْ أَوْ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ بَلْ لَوْ كَانَ الثَّلَاثَةُ مُنْفَرِدِينَ فَاخْتَلَطُوا بِالنَّاسِ زَالَ النَّهْيُ لِإِمْكَانِ تَحْدِيثِ الْآخَرِ مَعَ بَعْضِ النَّاسِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَفِيقًا لَهُ وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ حَتَّى يَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ يَقْتَضِي الثَّانِيَ وَالْمَعْنَى يُسَاعِدُ عَلَى الْأَوَّلِ فَإِنْ تَخَيَّلَهُ أَنَّ ذَلِكَ لَمَكْرُوهٌ يُدَبَّرُ لَهُ أَوْ لِعَدَمِ تَأْهِيلِهِ لِلْكَلَامِ مَعَهُ لَا يَزُولُ بِكَلَامِهِ مِنْ غَيْرِ رَفِيقِهِ وَلَكِنَّ اتِّبَاعَ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ أَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَائِدَة جَوَازُ التَّنَاجِي فِي الْجُمْلَةِ] ١

(الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ جَوَازُ التَّنَاجِي فِي الْجُمْلَةِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ مِنْ حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ عَدَمُ الْمُنَاجَاةِ وَمُنَاجَاةُ الرَّجُلِ دُونَ الرَّجُلِ شَغْلٌ لِبَالِهِ وَلَوْ كَانُوا فِي أَلْفٍ بَيْدَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَمْرًا مُحْتَاجًا إلَيْهِ، وَكَانَ أَصْلُهُ فِي الشَّرْعِ أَنْ يَكُونَ لِحَاجَةٍ وَلَمَّا قَالَ اللَّهُ مِنْ مَصْلَحَةٍ كَالصَّدَقَةِ وَالْمَعْرُوفِ وَالْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ فَمِنْ الْحَقِّ أَنْ يَصُونَ الرَّجُلُ مُرُوءَتَهُ وَدِينَهُ فَلَا يَتَنَاجَى إلَّا فِي أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ إمَّا فِي حَاجَةٍ لَهُ أَوْ فِي الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَاتِ فِي كِتَابِ اللَّهِ. انْتَهَى. .

<<  <  ج: ص:  >  >>