. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
لَا أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَرُدَّ الْقَدَرَ شَيْءٌ، فَإِنَّ الْقَدَرَ عِبَارَةٌ عَنْ سَابِقِ عِلْمِ اللَّهِ وَنُفُوذِ مَشِيئَتِهِ، وَلَا رَادَّ لِأَمْرِهِ وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَإِنَّمَا هَذَا خُرِّجَ مَخْرَجَ قَوْلِهِمْ لَأَطْلُبَنَّكَ وَلَوْ تَحْتَ الثَّرَى وَلَوْ صَعِدْت إلَى السَّمَاءِ، وَنَحْوَهُ مِمَّا يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ إثْبَاتُ الْقَدَرِ وَهُوَ حَقٌّ بِالنُّصُوصِ وَإِجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَفِيهِ صِحَّةُ أَمْرِ الْعَيْنِ وَأَنَّهَا قَوِيَّةُ الضَّرَرِ.
[فَائِدَة مَعْنَى قَوْلُهُ وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا]
(الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ «وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا» خِطَابٌ لِلْعَائِنِ وَأَمْرٌ لَهُ بِأَنْ يَغْتَسِلَ عِنْدَ طَلَبِ الْمُعَيَّنِ مِنْهُ ذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ وَحَكَى الْمَازِرِيُّ فِيهِ خِلَافًا، وَقَالَ الصَّحِيحُ عِنْدِي الْوُجُوبُ وَيَبْعُدُ الْخِلَافُ فِيهِ إذَا خَشَى عَلَى الْمَعِينِ الْهَلَاكَ، وَكَانَ وُضُوءُ الْعَائِنِ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْبُرْءِ بِهِ أَوْ كَانَ الشَّرْعُ أَخْبَرَ بِهِ خَبَرًا عَامًّا وَلَمْ يُمْكِنْ زَوَالُ الْهَلَاكِ إلَّا بِوُضُوءِ الْعَائِنِ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ مِنْ بَابِ مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ إحْيَاءُ نَفْسٍ مُشْرِفَةٍ عَلَى الْهَلَاكِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى بَذْلِ الطَّعَامِ لِلْمُضْطَرِّ، فَهَذَا أَوْلَى وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ فِيهِ انْتَهَى.
(السَّادِسَةُ) لَمْ يُبَيَّنْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَيْفِيَّةُ الْغُسْلِ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «كَانَ يُؤْمَرُ الْعَائِنُ فَيَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ الْمُعَيَّنُ» .
وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ «مَرَّ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ بِسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَهُوَ يَغْتَسِلُ، فَقَالَ: لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ وَلَا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ فَمَا لَبِثَ أَنْ لُبِطَ بِهِ فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقِيلَ لَهُ أَدْرِكْ سَهْلًا صَرِيعًا قَالَ مَنْ تَتَّهِمُونَ بِهِ قَالُوا عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ قَالَ عَلَيَّ مَاذَا يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ إذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَأَمَرَ عَامِرًا أَنْ يَتَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَرُكْبَتَيْهِ وَدَاخِلَةَ إزَارِهِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَصُبَّ عَلَيْهِ» قَالَ سُفْيَانُ قَالَ مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ «وَأَمَرَهُ أَنْ يَكْفَأَ الْإِنَاءَ مِنْ خَلْفِهِ» وَأَصْلُ الْحَدِيثِ فِي الْمُوَطَّإِ وَسُنَنِ النَّسَائِيّ الْكُبْرَى وَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي أَنَّهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ كَمَا ذَكَرْته أَوْ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَوْ مِنْ رِوَايَةِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَبَيَّنَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ كَيْفِيَّةَ الْوُضُوءِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ صِفَةُ وُضُوءِ الْعَائِنِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَنْ يُؤْتَى بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ وَلَا يُوضَعُ الْقَدَحُ فِي الْأَرْضِ فَيَأْخُذُ مِنْهُ غُرْفَةً فَيَتَمَضْمَضُ بِهَا ثُمَّ يَمُجُّهَا فِي الْقَدَحِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مِنْهُ مَا يَغْسِلُ بِهِ وَجْهَهُ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِشِمَالِهِ مَا يَغْسِلُ بِهِ كَفَّهُ الْيُمْنَى ثُمَّ بِيَمِينِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute