للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

الْبُخَارِيَّ بَوَّبَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بَابَ دَفْنِ النُّخَامَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ الْبُخَارِيُّ بِالْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِدَفْنِ النُّخَامَةِ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى نُخَامَةً فِي جِدَارِ الْمَسْجِدِ فَتَنَاوَلَ حَصَاةً فَحَكَّهَا فَقَالَ إذَا تَنَخَّمَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَخَّمْ قِبَلَ وَجْهِهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ» الْحَدِيثَ «وَلِيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى» لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلَمْ يَسُقْ مُسْلِمٌ لَفْظَهُ.

{الثَّانِيَةُ} هَلْ الْمُرَادُ بِالْقِيَامِ لِلصَّلَاةِ الدُّخُولُ فِيهَا أَوْ النُّهُوضُ وَالِانْتِصَابُ لَهَا وَلَوْ قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ أَعَمَّ مِنْ كَوْنِهِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي غَيْرِهِ فَلَا حَرَجَ فِي ذَلِكَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ إذَا كَانَ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ فَقَيَّدَ كَوْنَهُ فِي الْمَسْجِدِ فَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ أَوْ قَبْلَهُ بَلْ دُخُولُ الْمَسْجِدِ كَانَ فِي النَّهْيِ عَنْ الْبُزَاقِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَائِمًا إلَى الصَّلَاةِ كَمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ «الْبُزَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ» .

[فَائِدَة النَّهْيُ عَنْ بُصَاقِ الْمُصَلِّي أَمَامَهُ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ] ١

{الثَّالِثَةُ} هَذَا النَّهْيُ عَنْ بُصَاقِ الْمُصَلِّي أَمَامَهُ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ هَلْ هُوَ عَلَى التَّحْرِيمِ أَوْ التَّنْزِيهِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ إنَّ إقْبَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى النَّاسِ مُغْضَبًا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْبُصَاقِ فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ وَعَلَى أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ بِدَفْنِهِ وَلَا بِحَكِّهِ كَمَا قَالَ فِي جُمْلَةِ الْمَسْجِدِ «الْبُصَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا» قُلْت وَيَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْبُصَاقِ فِي الْقِبْلَةِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ السَّائِبِ بْنِ خَلَّادٍ «أَنَّ رَجُلًا أَمَّ قَوْمًا فَبَصَقَ فِي الْقِبْلَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْظُرُ إلَيْهِ فَقَالَ حِينَ فَرَغَ لَا يُصَلِّي لَكُمْ» الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ «إنَّك آذَيْت اللَّهَ وَرَسُولَهُ» .

وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ كَرَاهَةَ الْبُصَاقِ فِي الْمَسْجِدِ مِنْهُمْ الْمَحَامِلِيُّ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَأَبُو الْعَبَّاسِ الْجُرْجَانِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَجَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَالتَّحْقِيقِ بِتَحْرِيمِهِ وَكَأَنَّهُ تَمَسَّكَ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «أَنَّهُ خَطِيئَةٌ» قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيَّ فَأَمَّا مَنْ بَصَقَ فِي الْمَسْجِدِ وَسَتَرَ بُصَاقَهُ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ أَيْضًا عَنْ ابْنِ مَكِّيٍّ أَنَّهُ يَكُونُ خَطِيئَةً لِمَنْ تَفَلَ فِيهِ وَلَمْ يَدْفِنْهُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ.

وَقَدْ دَلَّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَيْ عِنْدَ مُسْلِمٍ «وَوَجَدْت فِي مُسَاوِي أَعْمَالِهَا النُّخَامَةَ تَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ لَا تُدْفَنُ» فَلَمْ يُثْبِتْ لَهَا حُكْمَ السَّيِّئَةِ بِمُجَرَّدِ إيقَاعِهَا فِي الْمَسْجِدِ بَلْ بِذَلِكَ وَبِبَقَائِهَا غَيْرَ مَدْفُونَةٍ.

(قُلْت) وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا إذْنُهُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ بِقَوْلِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>