وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً، ثُمَّ لِيَنْثُرْ، وَمَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ»
ــ
[طرح التثريب]
ثُمَّ رُوِيَ حَدِيثٌ عَلَى أَنَّهُ دَعَا بِوَضُوءٍ فَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَنَثَرَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى فَفَعَلَ هَذَا ثَلَاثًا قَالَ هَذَا طُهْرُ نَبِيِّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَأَمَّا الِاسْتِنْشَاقُ فَظَاهِرُ حَدِيثِ عُثْمَانَ أَنَّهُ يَكُونُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الْوُضُوءِ فَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ النَّسَائِيّ بِأَيِّ الْيَدَيْنِ يَتَمَضْمَضُ؟ وَلَكِنْ ذَكَرَ الْقَمُولِيُّ فِي الْجَوَاهِرِ أَنَّهُ يَأْخُذُ الْمَاءَ لِلْمَضْمَضَةِ بِيَمِينِهِ وَلِلِاسْتِنْشَاقِ بِشِمَالِهِ.
وَبَنَى بَعْضُهُمْ هَذَا عَلَى قَوْلِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ، وَالِاسْتِنْشَاقِ وَكَأَنَّهُ فَهِمَ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا الْإِتْيَانَ بِهِمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ مَعًا فَاحْتَاجَ لِمَا ذَكَرْت أَنْ يَأْتِيَ بِأَحَدِهِمَا بِيَمِينِهِ، وَالْآخَرِ بِشِمَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْإِتْيَانُ بِهِمَا مَعًا مِنْ كَفٍّ وَاحِدٍ، وَلَيْسَ مُرَادُ أَصْحَابِنَا بِالْجَمْعِ الْإِتْيَانَ بِهِمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بَلْ مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ سَوَاءٌ قَدَّمَ الْمَرَّاتِ الثَّلَاثَ لِلْمَضْمَضَةِ أَوْ قَدَّمَ مَرَّةً مِنْ الْمَضْمَضَةِ وَعَقَّبَهَا بِمَرَّةٍ مِنْ الِاسْتِنْشَاقِ وَهَكَذَا هَذَا الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْإِمَامِ الْغَزَالِيِّ وَالرَّافِعِيِّ نَعَمْ كَلَامُ الرُّويَانِيِّ فِي الْبَحْرِ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا هُوَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يُقَدِّمُ الْمَضْمَضَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَائِدَةٌ الْإِيتَارَ فِي الِاسْتِجْمَارِ] ١
(الْحَادِيَةَ عَشَرَ) اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ الْإِيتَارَ وَاجِبٌ فِي الِاسْتِجْمَارِ، وَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ، وَأَنَّهُ مَتَى لَمْ يَحْصُلْ الِانْتِقَاءُ إلَّا بِأَرْبَعِ مَسَحَاتٍ وَجَبَتْ الْخَامِسَةُ أَوْ بِسِتَّةٍ وَجَبَتْ السَّابِعَةُ لِمُطْلَقِ الْأَمْرِ وَحَمَلَ الْجُمْهُورُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ الْإِيتَارَ بَعْدَ الثَّلَاثِ، وَالْإِنْقَاءَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ فِي الْأَمْرِ بِالْإِيتَارِ مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ فَهُوَ دَالٌّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْإِيتَارِ، وَسَيَأْتِي الْحَدِيثُ فِي بَابِ الِاسْتِجْمَارِ فَحَمْلُ الْجُمْهُورِ الْحَدِيثَ إمَّا عَلَى وُجُوبِ الثَّلَاثِ أَوْ عَلَى النَّدْبِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ بَعْدَ الْإِنْقَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِيَةَ عَشَرَ) اسْتَدَلَّ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِقَوْلِهِ: «مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ» أَنَّهُ لَا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الِاسْتِجْمَارِ وَتَرْكِهِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَا يَدُلُّ عَلَى التَّخْيِيرِ فَقَدْ قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي إدْرِيسَ الْمُتَّفَقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute