. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
فِي الْفَيْضِ زِيَادَةً عَلَى الْكَثْرَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْمَشَارِقِ فِي قَوْلِهِ «يَفِيضُ الْمَالُ» أَيْ يَكْثُرُ حَتَّى يَفْضُلَ مِنْهُ بِأَيْدِي مُلَّاكِهِ مَا لَا حَاجَةَ لَهُمْ بِهِ. قَالَ وَقِيلَ بَلْ يَنْتَشِرُ فِي النَّاسِ وَيَعُمُّهُمْ وَهُوَ الْأَوَّلُ انْتَهَى.
فَيَصْدُقُ كَثْرَةُ الْمَالِ بِأَنْ يَكُونَ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ وَلَا يَصْدُقُ فَيْضُهُ إلَّا بِزِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ وَيُوَافِقُ ذَلِكَ قَوْلَ الْجَوْهَرِيِّ فِي الصِّحَاحِ فَاضَ الْمَاءُ أَيْ كَثُرَ حَتَّى سَالَ عَلَى ضِفَّةِ الْوَادِي، انْتَهَى. فَاعْتُبِرَ فِيهِ مَعَ الْكَثْرَةِ زِيَادَتُهُ عَنْ قَدْرِ الْوَادِي حَتَّى يَسِيلَ عَلَى ضِفَّتِهِ.
(الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ «حَتَّى يُهِمَّ» ضَبْطُ وَجْهَيْنِ (أَجْوَدُهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا) أَنَّهُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْهَاءِ، وَقَوْلُهُ «رَبَّ الْمَالِ» أَيْ صَاحِبَهُ وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ، وَقَوْلُهُ «مَنْ يَتَقَبَّلُ مِنْهُ صَدَقَةَ مَالِهِ» هُوَ الْفَاعِلُ وَفِيهِ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ أَيْ أَمْرٌ وَالْمَعْنَى أَنْ يُقْلِقَ رَبَّ الْمَالِ وَيُحْزِنَهُ أَمْرُ مَنْ يَأْخُذُ مِنْهُ زَكَاةَ مَالِهِ لِفَقْدِ الْمُحْتَاجِ لِأَخْذِ الزَّكَاةِ لِعُمُومِ الْغِنَى لِجَمِيعِ النَّاسِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ يَهُمُّ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْهَاءِ وَيَكُونُ رَبُّ الْمَالِ مَرْفُوعًا فَاعِلًا وَتَقْدِيرُهُ يَهُمُّ رَبُّ الْمَالِ بِمَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ أَيْ يَقْصِدُهُ، حَكَاهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ: قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: يُقَالُ أَهَمَّهُ إذَا أَحْزَنَهُ وَهَمَّهُ إذَا أَذَابَهُ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: هَمَّك مَا أَهَمَّكَ، أَيْ أَذَابَك الشَّيْءُ الَّذِي أَحْزَنَك فَأَذْهَبَ شَحْمَك، قَالَ وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي هُوَ مِنْ هَمَّ بِهِ إذَا قَصَدَهُ انْتَهَى قَالَ فِي الصِّحَاحِ: تَقُولُ أَهَمَّنِي الْأَمْرُ إذَا أَقْلَقَك وَحَزَنَكَ وَالْهَمُّ الْحُزْنُ وَهَمَّنِي الْمَرَضُ أَذَابَنِي.
[فَائِدَة الْمُبَادَرَة بِالصَّدَقَةِ وَاغْتِنَام إمْكَانهَا] ١
(الرَّابِعَةُ) فِيهِ الْإِخْبَارُ بِكَثْرَةِ الْمَالِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ وَأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ حَتَّى يَحْصُلَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ هَمٌّ قَالَ النَّوَوِيُّ وَسَبَبُ عَدَمِ قَبُولِهِمْ الصَّدَقَةَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ كَثْرَةُ الْأَمْوَالِ وَظُهُورُ كُنُوزِ الْأَرْضِ وَوَضْعُ الْبَرَكَاتِ فِيهَا كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ بَعْدَ هَلَاكِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَقِلَّةُ النَّاسِ وَقِلَّةُ آمَالِهِمْ وَقُرْبُ السَّاعَةِ وَعَدَمُ ادِّخَارِهِمْ الْمَالَ وَكَثْرَةُ الصَّدَقَاتِ.
(الْخَامِسَةُ) وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى الْمُبَادَرَةِ بِالصَّدَقَةِ وَاغْتِنَامِ إمْكَانِهَا قَبْلَ تَعَذُّرِهَا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «تَصَدَّقُوا فَيُوشِكُ الرَّجُلُ يَمْشِي بِصَدَقَتِهِ فَيَقُولُ الَّذِي أُعْطِيهَا لَوْ جِئْتنَا بِهَا بِالْأَمْسِ قَبِلْتهَا، فَأَمَّا الْآنَ فَلَا حَاجَةَ لِي بِهَا، فَلَا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا» .
(السَّادِسَةُ) اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ وَهُوَ وَاضِحُ الْحُكْمِ وَالتَّعْلِيلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute