للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

إبَاحَةٍ فَالْحَدِيثُ إنَّمَا سِيقَ لِلْإِخْبَارِ عَمَّا سَيَقَعُ.

وَأَمَّا حُكْمُ التَّمَنِّي فَمَأْخُوذٌ مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ، وَجَزَمَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ بِالِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ الرَّاجِحِ ثُمَّ قَالَ، وَكَأَنَّ هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ أَكْثَرَ الْفِتَنِ وَالْمَشَقَّاتِ وَالْأَفْكَارِ قَدْ أَذْهَبَتْ الدِّينَ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ أَوْ أَقَلَّتْ الِاعْتِنَاءَ بِهِ فَمَنْ يَتَمَسَّكُ بِالدِّينِ عِنْدَ هُجُومِ الْفِتَنِ؟ وَلِذَلِكَ عَظُمَ قَدْرُ الْعِبَادَةِ فِي حَالَةِ الْفِتَنِ حَتَّى قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إلَيَّ» اهـ.

{الرَّابِعَةُ} تَبْوِيبُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُوَافَقَةً لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَالْقَاضِي عِيَاضٍ فِي أَحَدِ احْتِمَالَيْهِ أَنَّ سَبَبَ هَذَا التَّمَنِّي مُصِيبَةُ الدِّينِ، وَهُوَ حِينَئِذٍ مَرْدُودٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ قَوْلِهِ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي مُسْلِمٍ، وَلَيْسَ بِهِ الدِّينُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِهِ الدِّينُ لَمْ يَكُنْ مَذْمُومًا، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَمِّ ذَلِكَ، وَلَا مَدْحِهِ، وَإِنَّمَا سَبَقَ لِلْإِخْبَارِ عَنْ الشَّدَائِدِ الَّتِي تَحْصُلُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ بِحَيْثُ يَصِلُ الْحَالُ إلَى تَمَنِّي الْمَوْتِ بِسَبَبِهَا، وَهَذَا النِّزَاعُ إنَّمَا هُوَ فِي كَيْفِيَّةِ الِاسْتِنْبَاطِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَمَّا الْحُكْمُ، وَهُوَ تَمَنِّي الْمَوْتِ لِمَصْلَحَةِ الدِّينِ فَلَا نِزَاعَ فِيهِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَبِي عَبْسٍ الْغِفَارِيِّ صَحَابِيٌّ، وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ، وَقَدْ فَعَلَهُ خَلَائِقُ مِنْ السَّلَفِ عِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ فِي دِينِهِمْ.

{الْخَامِسَةُ} قَوْلُهُ «حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ» الظَّاهِرُ أَنَّ ذِكْرَ الرَّجُلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ فَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ كَالرَّجُلِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ إنَّمَا يَحْصُلُ هَذَا التَّمَنِّي لِلرِّجَالِ خَاصَّةً، فَإِنَّهُمْ الَّذِينَ يُبْتَلَوْنَ بِالشَّدَائِدِ وَالْمِحَنِ، وَيَظْهَرُ فِيهِمْ ثَمَرَةُ الْفِتَنِ بِخِلَافِ النِّسَاءِ فَإِنَّهُنَّ مَحْجُوبَاتٌ فِي الْأَغْلَبِ لَا يَصْلَيْنَ نَارَ الْفِتَنِ قَالَ الشَّاعِرُ

كُتِبَ الْقَتْلُ وَالْقِتَالُ عَلَيْنَا ... وَعَلَى الْغَانِيَّاتِ جَرُّ الذُّيُولِ.

[فَائِدَة بِمَا يُؤَكِّد تمني الْمَوْت] ١

{السَّادِسَةُ} قَدْ يُفْهَمُ مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّ هَذَا التَّمَنِّي لَا يَعْرِضُ لِلْإِنْسَانِ إلَّا عِنْدَ رُؤْيَةِ الْقَبْرِ، وَذَلِكَ قَدْ يَدُلُّ عَلَى خِفَّةِ هَذَا التَّمَنِّي، وَعَدَمِ تَأَكُّدِهِ فَلَوْ تَأَكَّدَ لَاسْتَحْضَرَهُ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةِ الْقَبْرِ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ هَذَا أَبْلَغُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَتَمَنَّى الْمَوْتَ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْضَارٍ لِهَيْئَتِهِ وَصُورَتِهِ فَإِذَا اسْتَحْضَرَهُ وَتَصَوَّرَهُ، وَشَاهَدَ الْمَوْتَى، وَرَأَى الْقُبُورَ نَفَرَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ، وَأَحَبَّ الْحَيَاةَ، وَلَمْ يَعُدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>