. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
بِذَلِكَ وَالظَّاهِرُ تَقْدِيمُ عُمَرَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ جَالِسًا تُجَاهَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ عَلَى يَمِينِ الْأَعْرَابِيِّ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى يَمِينِهِ فَفَعَلَ ذَلِكَ عَمَلًا بِقَوْلِهِ الْأَيْمَنَ فَالْأَيْمَنَ إلَّا أَنْ يَكُونَ عُمَرُ آثَرَ أَبَا بَكْرٍ بِنَصِيبِهِ مِنْ التَّقْدِيمِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.
[فَائِدَة تَقْدِيمُ الْأَفَاضِلِ وَالْكِبَارِ فَهُوَ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي بَاقِي الْأَوْصَافِ] ١
(الْعَاشِرَةُ) (إنْ قُلْتَ) : كَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا سَقَى قَالَ ابْدَءُوا بِالْكُبَرَاءِ أَوْ قَالَ بِالْأَكَابِرِ» (قُلْت) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى يَمِينِهِ أَحَدٌ بَلْ كَانَ الْقَوْمُ جَالِسِينَ مُتَفَرِّقِينَ إمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ وَرَاءَهُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ حَزْمٍ فَقَالَ وَإِنْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ جَمَاعَةٌ فَإِنْ كَانُوا كُلَّهُمْ أَمَامَهُ أَوْ خَلْفَ ظَهْرِهِ أَوْ عَلَى يَسَارِهِ فَلْيُنَاوِلْ الْأَكْبَرَ فَالْأَكْبَرَ وَلَا بُدَّ: لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ حُوَيِّصَةَ، وَمُحَيِّصَةَ «كَبِّرْ الْكُبْرَ» قَالَ فَهَذَا عُمُومٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ نَصٌّ صَرِيحٌ كَاَلَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ مُنَاوَلَةِ الشَّرَابِ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: وَالِاسْتِدْلَالُ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمِ أَوْلَى مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِعُمُومِ قِصَّةِ حُوَيِّصَةَ، وَمُحَيِّصَةَ لِكَوْنِهِ وَارِدًا فِي السَّقْيِ وَذَاكَ فِي أَنَّ الْأَكْبَرَ يَتَوَلَّى الْبُدَاءَةَ فِي الْكَلَامِ انْتَهَى.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَأَمَّا تَقْدِيمُ الْأَفَاضِلِ وَالْكِبَارِ فَهُوَ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي بَاقِي الْأَوْصَافِ وَلِهَذَا يُقَدَّمُ الْأَعْلَمُ وَالْأَقْرَأُ عَلَى الْأَسَنِّ النَّسِيبِ فِي الْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاةِ.
(الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) (إنْ قُلْت كَيْفَ تَقَدَّمَ عُمَرُ بِالْكَلَامِ وَقَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطِ أَبَا بَكْرٍ؟) (قُلْت) لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْإِلْزَامِ وَالْجَزْمِ وَإِنَّمَا قَالَهُ تَذْكِيرًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِجَوَازِ اشْتِغَالِهِ عَنْهُ، وَعَدَمِ رُؤْيَتِهِ لَهُ وَلِهَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ لِمُسْلِمٍ «يُرِيهِ إيَّاهُ» أَوْ قَصَدَ بِذَلِكَ إعْلَامَ الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي عَلَى الْيَمِينِ بِجَلَالَةِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
(الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) (إنْ قُلْتَ) : قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْأَيْمَنَ أَحَقُّ وَلَهُ أَنْ يُؤْثِرَ بِأَحَقِّيَّتِهِ فَلِمَ لَمْ يَسْتَأْذِنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فَعَلَ فِي قَضِيَّةِ ابْنِ عَبَّاسٍ «حَيْثُ كَانَ عَلَى يَمِينِهِ، وَكَانَ عَلَى يَسَارِهِ أَشْيَاخٌ مِنْهُمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَاسْتَأْذَنَ ابْنَ عَبَّاسٍ وَقَالَ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلَاءِ فَامْتَنَعَ مِنْ الْإِيثَارِ» فَهَلَّا اسْتَأْذَنَ الْأَعْرَابِيَّ كَمَا اسْتَأْذَنَ ابْنَ عَبَّاسٍ؟ (قُلْت) الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ أَوْجُهٍ:
(أَحَدُهَا) قَالَ النَّوَوِيُّ قِيلَ إنَّمَا اسْتَأْذَنَ الْغُلَامَ دُونَ الْأَعْرَابِيِّ إدْلَالًا عَلَى الْغُلَامِ، وَهُوَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَثِقَةً بِطِيبِ نَفْسِهِ بِأَصْلِ الِاسْتِئْذَانِ لَا سِيَّمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute