. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
وَهُوَ عَدَمُ التَّخْصِيصِ بِذَوَاتِ الْبُيُوتِ فِي الْمَدِينَةِ هُوَ الْأَوْلَى لِعُمُومِ نَهْيِهِ عَنْ قَتْلِ الْحَيَّاتِ الَّتِي فِي الْبُيُوتِ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ» وَذَكَرَ فِيهِنَّ الْحَيَّةَ وَلَا نَاقِدَ عَلِمْنَا قَطْعًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَسُولٌ إلَى الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَأَنَّهُ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ إلَى النَّوْعَيْنِ، وَأَنَّهُ قَدْ آمَنَ بِهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ النَّوْعَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَحْصُرُهُمْ بَلَدٌ وَلَا يُحِيطُ بِهِمْ عَدَدٌ وَالْعَجَبُ مِنْ ابْنِ نَافِعٍ كَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} [الأحقاف: ٢٩] وَلَا قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ وَفْدَ جِنِّ نَصِيبَيْنِ آتَوْنِي وَنِعْمَ الْجِنُّ هُمْ فَسَأَلُونِي الزَّادَ» الْحَدِيثَ فَهَذِهِ نُصُوصٌ فِي أَنَّ مِنْ جِنِّ غَيْرِ الْمَدِينَةِ مَنْ أَسْلَمَ فَلَا يُقْتَلُ شَيْءٌ مِنْهَا حَتَّى يَخْرُجَ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(رَابِعُهَا) اسْتِثْنَاءُ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ مُطْلَقًا فَلَا يُقْتَلْنَ وَلَا بَعْدَ الْإِنْذَارِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي لُبَابَةَ أَنَّهُ نُهِيَ عَنْ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ وَلَمْ يَذْكُرْ إنْذَارَهُنَّ.
(خَامِسُهَا) اسْتِثْنَاءُ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ فَلَا يُقْتَلْنَ إلَّا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرَ فَإِنَّهُمَا يُقْتَلَانِ بِالْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا بِلَا إنْذَارٍ، وَيَدُلُّ لِهَذَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي لُبَابَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَقْتُلُوا الْحَيَّاتِ إلَّا كُلَّ أَبْتَرِ ذِي طُفْيَتَيْنِ» وَهُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد مِنْ طُرُقٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَبِي لُبَابَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ قَتْلِ الْحَيَّاتِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْبُيُوتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرَ فَإِنَّهُمَا يَخْطَفَانِ الْبَصَرَ وَيَطْرَحَانِ مَا فِي بُطُونِ النِّسَاءِ» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ قَتْلِ حَيَّاتِ الصَّحَارِي صِغَارًا كُنَّ أَوْ كِبَارًا أَيَّ نَوْعٍ كُنَّ مِنْ الْحَيَّاتِ. قَالَ: وَتَرْتِيبُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَتَهْذِيبُهَا بِاسْتِعْمَالِ حَدِيثِ أَبِي لُبَابَةَ وَالِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ فِيهِ بَيَانًا لِنَسْخِ قَتْلِ حَيَّاتِ الْبُيُوتِ وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ الْأَمْرِ بِقَتْلِهَا جُمْلَةً وَفِيهِ اسْتِثْنَاءُ ذِي الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرَ فَهُوَ حَدِيثٌ مُفَسِّرٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ لِمَنْ فَهِمَ، وَعَلِمَ فَهُوَ الصَّوَابُ فِي هَذَا الْبَابِ وَعَلَيْهِ يَصِحُّ تَرْتِيبُ الْآثَارِ فِيهِ.
(سَادِسُهَا) رَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ قَالَ: اُقْتُلُوا الْحَيَّاتِ كُلِّهَا إلَّا الْجِنَانَ الْأَبْيَضَ الَّذِي كَأَنَّهُ قَضِيبُ فِضَّةٍ» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَهَذَا قَوْلٌ غَرِيبٌ حَسَنٌ.
[فَائِدَة التَّمَسُّكُ بِالْعُمُومِ حَتَّى يَظْهَرَ لَهُ مُخَصِّصٌ] ١
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute