للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

وَتَنْزِيهُ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ عَنْ هَذَا الْعَيْبِ وَغَيْرِهِ فَهُوَ مُقَرَّرٌ مِنْ خَارِجٍ وَفِي أَخْذِهِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ نَظَرٌ وَلَا يُؤْخَذُ هَذَا مِنْ كَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى سَمَّاهُ أَذًى لِأَنَّ هَذَا الِاخْتِلَاقَ أَذًى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبَ التَّنْزِيهِ عَمَّا اُخْتُلِقَ عَلَيْهِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّمَا يَتِمُّ هَذَا الِاسْتِدْلَال إذَا كَانَ كَشْفُ الْعَوْرَةِ مُحَرَّمًا فِي شَرِيعَةِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَمَعَ هَذَا فَأَلْجَأَهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى ظُهُورِهِ بَيْنَهُمْ عَلَى تِلْكَ الْهَيْئَةِ فَلَوْلَا أَنَّ بَرَاءَتَهُ عَنْهُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ وَقَاعِدَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهَا لَمَا ارْتَكَبَ كَشْفَ الْعَوْرَةِ لِأَجْلِهِ فَعَارَضَ مَصْلَحَةَ سَتْرِهَا مَصْلَحَةُ إظْهَارِ هَذَا الْأَمْرِ الدِّينِيِّ وَكَانَ هَذَا الثَّانِي أَهَمَّ مُقَدَّمًا وَلَمَّا ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا الْكَلَامَ قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ فِي أَوَّلِ خَلْقِهِمْ ثُمَّ قَالَ وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَيْنَا بِعَمَى يَعْقُوبَ وَبِابْتِلَاءِ أَيُّوبَ فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ طَارِئًا عَلَيْهِمْ مِحْنَةً لَهُمْ وَلِيَقْتَدِيَ بِهِمْ مَنْ اُبْتُلِيَ بِبَلَاءٍ فِي حَالِهِمْ وَصَبْرِهِمْ وَفِي أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقْطَعْهُمْ عَنْ عِبَادَةِ رَبِّهِمْ ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَظْهَرَ كَرَامَتَهُمْ وَمُعْجِزَتَهُمْ بِأَنْ أَعَادَ يَعْقُوبَ بَصِيرًا عِنْدَ وُصُولِ قَمِيصِ يُوسُفَ لَهُ وَأَزَالَ عَنْ أَيُّوبَ جُذَامَهُ وَبَلَاءَهُ عِنْدَ اغْتِسَالِهِ مِنْ الْعَيْنِ الَّتِي أَنْبَعَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ رَكْضِهِ الْأَرْضَ بِرِجْلِهِ فَكَانَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي مُعْجِزَاتِهِمْ وَتَمْكِينًا فِي كَمَالِهِمْ وَمَنْزِلَتِهِمْ انْتَهَى.

(الثَّامِنَةُ) فِيهِ بَيَانُ شِدَّةِ مَا اُبْتُلِيَ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ وَالصَّالِحُونَ مِنْ أَذَى السُّفَهَاءِ وَالْجُهَّالِ وَصَبْرِهِمْ عَلَيْهَا وَفِي الْحَدِيثِ «لَقَدْ أُوذِيَ مُوسَى بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ» .

[فَائِدَةٌ فَضِيلَةُ الصَّبْرِ] ١

(التَّاسِعَةُ) فِيهِ فَضِيلَةُ الصَّبْرِ وَأَنَّ الدَّرَجَاتِ ثَمَرَةٌ لَهُ فَإِنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا صَبَرَ عَلَى مَا يُؤْذُونَهُ بِهِ أَعْقَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْبَرَاءَةَ مِنْ ذَلِكَ مَعَ رَفْعِ الدَّرَجَاتِ لِمَا أَظْهَرَهُ مِنْ الْمُعْجِزَاتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا} [السجدة: ٢٤] وَقَالَ تَعَالَى {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا} [الأعراف: ١٣٧] .

[فَائِدَةٌ فَضِيلَةُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام حين آذَاهُ قَوْمه] ١

(الْعَاشِرَةُ) فِيهِ فَضِيلَةُ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَحَصَلَ هُنَا إظْهَارُ مُعْجِزَتِهِ بِأُمُورٍ:

(أَحَدُهَا) مَشْيُ الْحَجَرِ بِثَوْبِهِ إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ لِإِظْهَارِ بَرَاءَتِهِ مِمَّا ادَّعُوهُ فِيهِ مِنْ الْأُدْرَةِ عَلَى وَجْهٍ خَارِقٍ لِلْعَادَةِ وَلِهَذَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ نِعْمَةً عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ {فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} [الأحزاب: ٦٩] .

(الثَّانِي) حُصُولُ النَّدْبِ فِي الْحَجَرِ مِنْ ضَرْبِ مُوسَى.

(الثَّالِثُ) وُجُودُ التَّمْيِيزِ فِي الْجَمَادِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَلِهَذَا عَامَلَهُ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُعَامَلَةَ مَنْ يَعْقِلُ لِأَنَّهُ صَدَرَتْ مِنْهُ أَفْعَالُ

<<  <  ج: ص:  >  >>