. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
الْعُقَلَاءِ وَهَذَا مِثْلُ «تَسْلِيمِ الْحَجَرِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ وَحُنَيْنِ الْجِذْعِ إلَيْهِ» وَنَحْوِ ذَلِكَ لَكِنْ تَأَمَّلْ مَا بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ وَإِنْ كَانَ فِي الْكُلِّ تَعْظِيمٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِظْهَارٌ لِمُعْجِزَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «فَجَمَحَ مُوسَى بِأَثَرِهِ» بِجِيمٍ وَمِيمٍ مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ أَيْ أَسْرَعَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ} [التوبة: ٥٧] أَيْ يُسْرِعُونَ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ نَحْوَ مَا ذَكَرْته ثُمَّ قَالَ وَالْجَمُوحُ مِنْ الْخَيْلِ هُوَ الَّذِي يَرْكَبُ رَأْسَهُ فِي إسْرَاعِهِ وَلَا يُثْنِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ عَيْبٌ فِيهَا وَإِنَّمَا أُطْلِقَ عَلَى إسْرَاعِ مُوسَى خَلْفَ الْحَجَرِ جِمَاحًا لِأَنَّهُ اشْتَدَّ خَلْفَهُ اشْتِدَادًا لَا يُثْنِيهِ شَيْءٌ عَنْ أَخْذِ ثَوْبِهِ انْتَهَى.
وَلَا حَاجَةَ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ جِمَاحِ الْخَيْلِ الْمَذْمُومِ فَقَدْ ذَكَرَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّ الْجِمَاحَ بِمَعْنَى الْإِسْرَاعِ قَالَ فِي الصِّحَاحِ جَمَحَ الْفَرَسَ جُمُوحًا وَجِمَاحًا إذَا اعْتَزَّ فَارِسَهُ وَغَلَبَهُ فَهُوَ فَرَسٌ جَمُوحٌ ثُمَّ قَالَ وَالْجَمُوحُ مِنْ الرِّجَالِ الَّذِي يَرْكَبُ هَوَاهُ فَلَا يُمْكِنُ رَدُّهُ ثُمَّ قَالَ وَجَمَحَ أَيْ أَسْرَعَ.
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ أَسْرَعَ إسْرَاعًا لَا يَرُدُّهُ شَيْءٌ وَكُلُّ شَيْءٍ مَضَى لِوَجْهِهِ عَلَى أَمْرٍ فَقَدْ جَمَحَ وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ جَمَحَ أَسْرَعَ فَرَسٌ جَمُوحٌ سَرِيعٌ، وَهُوَ مَدْحٌ وَفَرَسٌ جَمُوحٌ إذَا كَانَ لَا يَثْبُتُ لِلِّجَامِ بَلْ يَرْكَبُ رَأْسَهُ فِي جَرْيِهِ وَهُوَ ذَمٌّ وَدَابَّةٌ جَمُوحٌ إذَا كَانَتْ تَمِيلُ فِي أَحَدِ شِقَّيْهَا وَهُوَ ذَمٌّ وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ جَمَحَ الْفَرَسُ بِصَاحِبِهِ ذَهَبَ يَجْرِي جَرْيًا غَالِبًا وَكُلُّ شَيْءٍ مَضَى لِشَيْءٍ عَلَى وَجْهِهِ فَقَدْ جَمَحَ ثُمَّ قَالَ وَجَمَحَتْ السَّفِينَةُ تَرَكَتْ قَصْدَهَا فَلَمْ يَضْبِطْهَا الْمَلَّاحُونَ انْتَهَى.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ جَمَحَ الْحَجَرُ أَيْ ذَهَبَ مُسْرِعًا إسْرَاعًا بَلِيغًا وَقَوْلُهُ «بِأَثَرِهِ» بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَيَجُوزُ فِيهِ أَيْضًا كَسْرُ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانُ الثَّاءِ وَهُمَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ.
١ -
(الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ: «ثَوْبِي» مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ دَعْ ثَوْبِي أَوْ أَعْطِنِي ثَوْبِي وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا بِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ هَذَا ثَوْبِي وَعَلَى هَذَا الثَّانِي يَكُونُ الْمَعْنَى اسْتِعْظَامَ كَوْنِهِ يَأْخُذُ ثَوْبَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ ثَوْبُهُ فَعَامَلَهُ مُعَامَلَةَ مَنْ لَا يَعْلَمُ كَوْنَهُ ثَوْبَهُ كَيْ يَرْجِعَ عَنْ فِعْلِهِ وَيَرُدَّ لَهُ ثَوْبَهُ، وَقَوْلُهُ «حَجَرُ» مُنَادَى مُفْرَدٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ وَحُذِفَ حَرْفُ النِّدَاءِ اسْتِعْجَالًا لِلْمُنَادَى وَمَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَذْفُ حَرْفِ النِّدَاءِ مِنْ اسْمِ الْجِنْسِ إلَّا شَاذًّا حَيْثُ سُمِعَ كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute