للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَكِنْ اجْتَهَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ لَعَمْرُ اللَّهِ لَا تَقْتُلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ كَذَبْت لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ، فَإِنَّك مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ، فَثَارَ الْحَيَّانِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا

ــ

[طرح التثريب]

قُلْت إنَّمَا انْتَصَرَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِكَلَامِ ابْنِ مُعَاذٍ وَسَاعَدَهُ عَلَى قَتْلِ الْقَائِلِ لِهَذَا الْكَلَامِ إنْ كَانَ مِنْ الْأَوْسِ وَقَالَ: إنَّهُمَا قَادِرَانِ عَلَى قَتْلِهِ وَحَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ شِدَّةُ نُصْرَتِهِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي طَلَبَ فِيهَا مَنْ يَعْذِرُهُ مِنْ ذَلِكَ الْقَائِلِ وَأَنْكَرَ عَلَى ابْنِ عُبَادَةَ ظَاهِرَ لَفْظِهِ وَإِنْ كَانَ لِبَاطِنِهِ مُخْلَصٌ حَسَنٌ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ غَابَ عَنْ أُسَيْدٍ ذَلِكَ الْمُخْلَصُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلِمَهُ وَأَنْكَرَ عَلَى ابْنِ عُبَادَةَ ظَاهِرَ اللَّفْظِ وَكَمْ مِنْ لَفْظٍ يُنْكَرُ إطْلَاقُهُ عَلَى قَائِلِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْبَاطِنِ لَهُ مُخْلَصٌ فَهَذَا مَا سَمَحَ بِهِ الْخَاطِرُ فِي تَنْزِيهِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: قَوْلُ أُسَيْدٍ لِسَعْدٍ «يَا مُنَافِقُ» .

قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى أَمْثَالِهِ إذَا وَقَعَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَأَنَّهُ يَجِبُ تَأْوِيلُهُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِمْ وَالْأَشْبَهُ أَنَّ أُسَيْدًا إنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى جِهَةِ الْغَيْظِ وَالْحَنَقِ وَبَالَغَ فِي زَجْرِ سَعْدٍ وَلَمْ يُرِدْ النِّفَاقَ الَّذِي هُوَ إظْهَارُ الْإِيمَانِ وَإِبْطَانُ الْكُفْرِ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّ سَعْدًا كَانَ يُظْهِرُ لَهُ وَلِلْأَوْسِ مِنْ الْمَوَدَّةِ مَا يَقْتَضِي عِنْدَهُ أَنْ لَا يَقُولَ فِيهِمْ مَا قَالَ فَلَاحَ لَهُ أَنَّ بَاطِنَهُ فِيهِمْ خِلَافُ مَا ظَهَرَ وَالنِّفَاقُ فِي اللُّغَةِ يَنْطَلِقُ عَلَى إظْهَارِ مَا يُبْطِنُ خِلَافَهُ دِينًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَلَعَلَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَجَلِ هَذَا لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ إنْ كَانَ سَمِعَ قَوْلَهُ هَذَا انْتَهَى.

وَهُوَ يُوَافِقُ مَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ إنْكَارَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ عَلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ لَمْ يَكُنْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْخَزْرَجِ وَإِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَوْسِ وَجَزْمُهُ بِقَتْلِ الْقَائِلِ إنْ كَانَ مِنْهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: أَرَادَ أَنَّك تَفْعَلُ فِعْلَ الْمُنَافِقِينَ وَلَمْ يُرِدْ النِّفَاقَ الْحَقِيقِيَّ.

[فَائِدَة الْمُبَادَرَةُ إلَى قَطْعِ الْفِتَنِ وَالْخُصُومَاتِ] ١

(السَّابِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) : قَوْلُهَا «فَثَارَ الْحَيَّانِ:» هُوَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ تَنَاهَضُوا لِلنِّزَاعِ وَالْعَصَبِيَّةِ كَمَا قَالَتْ «حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا» وَقَوْلُهَا «فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ:» فِيهِ الْمُبَادَرَةُ إلَى قَطْعِ الْفِتَنِ وَالْخُصُومَاتِ وَالْمُنَازَعَاتِ وَتَسْكِينِ الْغَضَبِ. .

[فَائِدَة ابْتِدَاءُ الْخُطَبِ بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ]

(الثَّامِنَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>