فَقَالَ أَعْذُرُك مِنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ كَانَ مِنْ الْأَوْسِ ضَرَبْنَا عُنُقَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ إخْوَانِنَا الْخَزْرَجِ أَمَرْتنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَك قَالَتْ فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا
ــ
[طرح التثريب]
يَقُلْ لَا تَقْتُلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ وَإِنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ مِنْ الْأَوْسِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا وَعَدَ بِقَتْلِ الْأَوْسِيِّ، وَهَذَا يُحَقِّقُ أَنَّ ابْنَ عُبَادَةَ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ حَمِيَّةً وَلَوْ كَانَتْ هُنَاكَ حَمِيَّةٌ لَمَا وَجَبَهَا لِرَهْطِ ابْنِ مُعَاذٍ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِعِلْمِهِ أَنَّ الْقَائِلَ لِذَلِكَ مِمَّنْ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ يَقْتُلُ مَنْ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُنَبِّهَ قَوْمَهُ يَمْنَعُونَهُ مِنْهُ، حَيْثُ لَمْ يَصْدُرْ أَمْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ فَقَالَ لَهُ لَا تَقُلْ مَا لَا تَفْعَلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى فِعْلِهِ لِعَدَمِ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ وَأَنْتَ لَا يُمْكِنُك إلَّا الْوُقُوفَ عِنْدَهُ وَلَوْ لَمْ تَقِفْ لَمَنَعَك أَصْحَابُك وَأَمَّا مَا قَالَهُ ابْنُ مُعَاذٍ فِي الْخَزْرَجِ فَأَمْرٌ لَا يَقْبَلُ النِّزَاعَ.
وَهَذَا مَخْلَصٌ حَسَنٌ هُدَانَا اللَّهُ لَهُ وَهُوَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَفِي آخَرِ كَلَامِ الدَّاوُدِيِّ إشَارَةٌ إلَى بَعْضِهِ حَيْثُ قَالَ أَيْ لَا يَجْعَلُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُكْمَهُ إلَيْك لَكِنْ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ مَا لَا يُرْضِي (فَإِنْ قُلْت) : هَذَا يُخَالِفُ مَا فَهِمَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَلِهَذَا قَالَتْ «وَلَكِنْ اجْتَهَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ» (قُلْت) : كَانَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَرَاءَ حِجَابٍ وَمُنْزَعِجَةَ الْخَاطِرِ لِمَا دَهَمَهَا مِنْ الْخَطْبِ الْعَظِيمِ وَالِاخْتِلَاقِ الْجَسِيمِ عَلَيْهَا فَقَدْ يَقَعُ فِي فَهْمِهَا لِبَعْضِ مَا وَقَعَ مَا يَكُونُ غَيْرُهُ أَرْجَحَ مِنْهُ.
(فَإِنْ قُلْت) : نَزَّهْت سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ بِالتَّعَرُّضِ لِعَائِشَةَ (قُلْت) : حَاشَ لِلَّهِ مَا ذَكَرْته فِي عَائِشَةَ لَا يَقْدَحُ فِي شَيْءٍ مِنْ جَلَالَتِهَا، وَالْخَطَأُ جَائِزٌ عَلَى الْبَشَرِ لَا سِيَّمَا فِي الْكَلَامِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِالْمَقْصُودِ فَقَدْ يَقَعُ الْخَلَلُ فِي فَهْمِهِ وَقَدْ قَالَتْ هِيَ فِي حَقِّ ابْنِ عُمَرَ «مَا كَذَبَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَلَكِنَّهُ وَهِمَ وَلَا سِيَّمَا» وَلَيْسَ هَذَا خَطَأً فِي فَهْمِ كَلَامِ النُّبُوَّةِ وَلَا فِي حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَإِنَّمَا هُوَ فِي كَلَامِ الْآحَادِ الَّذِي لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ.
وَأَمَّا حَمْلُ كَلَامِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ عَلَى مَا حَمَلُوهُ عَلَيْهِ فَهُوَ شَدِيدٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَا لَا أَتَفَوَّهُ بِهِ.
(فَإِنْ قُلْت) : وَهَذَا يُخَالِفُ فَهْمَ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ حَاضِرٌ مَعَ الْقَوْمِ مِنْ غَيْرِ حِجَابٍ وَلَا انْزِعَاجٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute