للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمِنْبَرِ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِ بَيْتِي فَوَاَللَّهِ مَا عَلِمْت عَلَى أَهْلِي إلَّا خَيْرًا وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْت عَلَيْهِ إلَّا خَيْرًا وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إلَّا مَعِي فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الْأَنْصَارِيُّ

ــ

[طرح التثريب]

يُونُسَ وَصَالِحٌ وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمَعْنَاهُ أَغْضَبَتْهُ فَالرِّوَايَتَانِ صَحِيحَتَانِ.

(السَّادِسَةَ وَالْأَرْبَعُونَ) : فِيهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ بْنِ حَضِير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَبَيْنَ السَّعْدَيْنِ مَا بَيْنَ الْكَلِمَتَيْنِ وَاَللَّهُ يُؤْتِي فَضْلَهُ مَنْ يَشَاءُ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِيهِ أَنَّ التَّعَصُّبَ فِي الْبَاطِلِ يَخْرُجُ عَنْ اسْمِ الصَّلَاحِ لِقَوْلِ عَائِشَةَ «فَاحْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا:» الصَّلَاحُ الْقِيَامُ بِحُقُوقِ اللَّهِ وَمَا يَلْزَمُ مِنْ حُقُوقِ عِبَادِهِ قَالَ وَفِيهِ جَوَازُ سَبِّ الْمُتَعَصِّبِ فِي الْبَاطِلِ وَالْمُتَكَلِّمِ بِنُكُرِ الْقَوْلِ وَالْإِغْلَاظِ فِي سَبِّهِ بِمَا يُشْبِهُ صِفَتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَقِيقَةٌ لِقَوْلِ أُسَيْدٍ «كَذَبْت إنَّك مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ:» .

وَحَاشَا سَعْدًا مِنْ النِّفَاقِ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ مِنْهُ مِنْ ظَاهِرِ التَّعَصُّبِ لِابْنِ أُبَيٍّ الْمُنَافِقِ عَرَّضَ لَهُ بِمِثْلِ هَذَا الْقَوْلِ الْغَلِيظِ. وَقَالَ الدَّاوُدِيِّ إنَّمَا أَنْكَرَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ مِنْ قَوْلِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ تَحَكُّمُهُ فِي قَوْمِهِ بِحُكْمِ أَنَفَةِ الْعَرَبِ وَمَا كَانَ قَدِيمًا بَيْنَ الْحَيَّيْنِ لَا أَنَّهُ رَضِيَ فِعْلَ ابْنِ أُبَيٍّ وَقَوْلُهُ «كَذَبْت لَعَمْرُ اللَّهِ لَا تَقْتُلُهُ:» أَيْ لَا يَجْعَلُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُكْمَهُ إلَيْك (قُلْت) : الْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّ ابْنَ مُعَاذٍ لَمْ يَقُلْ هَذَا الْكَلَامَ أَنَفَةً لِمَا بَيْنَ الْحَيَّيْنِ مِنْ الدُّخُولِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَإِنَّمَا قَالَهُ بِإِخْلَاصٍ نَصْرًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَانْظُرْ إنْصَافَهُ فِي تَقْدِيمِهِ ذِكْرَ قَوْمِهِ الْأَوْسَ وَجَزْمِهِ بِضَرْبِ عُنُقِهِ إنْ كَانَ مِنْهُمْ وَقَوْلُهُ فِي الْخَزْرَجِ الَّذِينَ لَيْسُوا قَوْمَهُ «أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَك:» .

وَهَذَا غَايَةٌ فِي الْإِنْصَافِ وَلَا يَتَوَقَّفُ أَحَدٌ فِي امْتِثَالِ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُ حَتْمٌ لَازِمٌ {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا} [الأحزاب: ٣٦] وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عُبَادَةَ «لَعَمْرُ اللَّهِ لَا تَقْتُلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ:» فَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ حَمِيَّةً وَلَا انْتِصَارًا لِابْنِ أُبَيٍّ كَيْفَ وَابْنُ أُبَيٍّ مِنْ الْخَزْرَجِ وَابْنُ مُعَاذٍ لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>