. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْخِطَابُ فِي قَوْله تَعَالَى، {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا} [مريم: ٧١] رَاجِعٌ إلَى الْكُفَّارِ فَقَطْ، وَيَكُونُ فِيهِ الِانْتِقَالُ مِنْ الْغَيْبَةِ إلَى الْحُضُورِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّهُ، وَبَقِيَّةُ الْآيَةِ صَرِيحٌ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم: ٧٢]
{السَّادِسَةَ عَشْرَةَ} اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالْوُرُودِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ عَلَى أَقْوَالٍ:
(أَحَدُهَا) أَنَّ الْمُرُورَ عَلَى الصِّرَاطِ، وَهُوَ جِسْرٌ مَنْصُوبٌ عَلَى جَهَنَّمَ حَكَى ابْنُ مَسْعُودٍ، وَكَعْبُ الْأَحْبَارِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَيَدُلُّ لَهُ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ لَمْ يَرِدْ عَلَى النَّارِ إلَّا عَابِرَ سَبِيلٍ» يَعْنِي الْجِوَازَ عَلَى الصِّرَاطِ.
(الثَّانِي) أَنَّهُ الْوُقُوفُ عِنْدَهَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ.
(الثَّالِثُ) أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَهَا حَقِيقَةً، وَلَكِنْ تَكُونُ عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَسَلَامًا كَمَا كَانَتْ عَلَى إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِينَ أُدْخِلَ نَارَ النُّمْرُودِ حُكِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.
(الرَّابِعُ) أَنَّ الْمُرَادَ بِوُرُودِهَا مَا يُصِيبُهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ الْحُمَّى لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» حَكَاهُ ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَاسْتَشْهَدَ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «عَادَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنَا مَعَهُ مَرِيضًا كَانَ يَتَوَعَّكُ فَقَالَ أَبْشِرْ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ هِيَ نَارِي أُسَلِّطُهَا عَلَى عَبْدِي الْمُؤْمِنِ لِتَكُونَ حَظَّهُ مِنْ نَارِ الْآخِرَةِ» .
[فَائِدَة مَعْنَى الِاسْتِثْنَاء فِي قَوْله إلَّا تَحِلَّة الْقَسْم] ١
{السَّابِعَةَ عَشْرَ} الْجُمْهُورُ عَلَى حَمْلِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي قَوْلِهِ إلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ إلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ أَيْ لَا تَمَسُّهُ قَلِيلًا، وَلَا مِثْلَ تَحِلَّةَ الْقَسَمِ كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ إلَّا الْفَرْقَدَانِ أَيْ، وَلَا الْفَرْقَدَانِ انْتَهَى.
وَالْبَيْتُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ هُوَ:
وَكُلُّ أَخٍ مُفَارِقُهُ أَخُوهُ ... لَعَمْرُ أَبِيك إلَّا الْفَرْقَدَانِ
، وَهَذَا الْمَعْنَى لِإِلَّا، وَهُوَ كَوْنُهَا عَاطِفَةً بِمَنْزِلِهِ الْوَاوِ فِي التَّشْرِيكِ فِي اللَّفْظِ، وَالْمَعْنَى ذَكَرَهُ الْأَخْفَشُ، وَالْفَرَّاءُ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَجَعَلُوا مِنْهُ قَوْله تَعَالَى {لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [البقرة: ١٥٠] وقَوْله تَعَالَى {لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ} [النمل: ١٠] {إِلا مَنْ ظَلَمَ} [النمل: ١١] أَيْ، وَلَا الَّذِينَ ظَلَمُوا، وَلَا مَنْ ظَلَمَ، وَتَأَوَّلَهُمَا الْجُمْهُورُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ