وَفِيهِ ثُمَّ صَلَّاهَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ الْمَغْرِبِ، وَالْعِشَاءِ.
ــ
[طرح التثريب]
أَنَّ الْوُسْطَى هُنَا مِنْ الْعَدَدِ، وَأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ (الْعَاشِرَةُ) إيرَادُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِهَذَا الْحَدِيثِ فِي بَابِ الْمَوَاقِيتِ اسْتِطْرَادٌ لَمَّا ذَكَرَ وَقْتَ الْعَصْرِ ذَكَرَ فَضْلَهَا، وَكَذَا فَعَلَ غَيْرُهُ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَدْخَلٌ فِي الْمَوَاقِيتِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا دَلَّ عَلَى فَضْلِهَا دَلَّ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا فِي وَقْتِهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ تَأْكِيدًا لِأَمْرِ الْوَقْتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَائِدَةٌ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ فِي قَضَاءِ الْفَائِتَةِ] ١
(الْحَادِيَةَ عَشَرَ) قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: ثُمَّ صَلَّاهَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ الْمَغْرِبِ، وَالْعِشَاءِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ فِي قَضَاءِ الْفَائِتَةِ بَلْ لَهُ تَقْدِيمُ الْحَاضِرَةِ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ صَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فَلَمْ يُوجِبْ التَّرْتِيبَ لَكِنَّهُ جَعَلَهُ الْأَفْضَلَ وَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ إلَى وُجُوبِ التَّرْتِيبِ وَيُعَارِضُ هَذَا الْحَدِيثَ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ «فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ» .
وَهَذَا صَرِيحٌ فِي مُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ فَلَعَلَّهُمَا قَضِيَّتَانِ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ بَيْنَ وَقْتَيْ الْعِشَاءَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ مُضَيَّقٌ فَبَيْنَ وَقْتِهَا وَوَقْتِ الْعِشَاءِ حِينَئِذٍ زَمَنٌ صَلَّى فِيهِ الْعَصْرَ لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ إخْرَاجُ الْمَغْرِبِ عَنْ وَقْتِهَا مَعَ الْقَوْلِ بِتَضْيِيقِهِ.
وَالْقَائِلُ بِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ قَدْ يُجِيبُ عَنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ بِأَنَّهَا وَاقِعَةُ عَيْنٍ مُحْتَمَلَةٌ فَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ ضَاقَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ وَخَشَى فَوَاتَهَا لَوْ اشْتَغَلَ بِالْعَصْرِ فَاحْتَاجَ لِتَرْكِ التَّرْتِيبِ لِضِيقِ الْوَقْتِ وَبَدَأَ بِالْمَغْرِبِ وَهَذِهِ الصُّورَةُ، وَهِيَ مَا إذَا ضَاقَ وَقْتُ الْحَاضِرَةِ وَافَقَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى سُقُوطِ التَّرْتِيبِ فِيهَا وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ وُجُوبُ التَّرْتِيبِ مَعَ ضِيقِ الْوَقْتِ أَيْضًا وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: يَبْدَأُ بِصَاحِبَةِ الْوَقْتِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَقَالَ أَشْهَبُ: يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا، وَالْأَحْسَنُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى الْمَغْرِبَ أَوَّلًا نَاسِيًا أَنَّهُ تَرَكَ الْعَصْرَ، ثُمَّ تَذَكَّرَهَا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْمَغْرِبِ فَصَلَّاهَا، ثُمَّ أَعَادَ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ فَصَدَقَ أَنَّهُ صَلَّى الْعَصْرَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ وَأَنَّهُ صَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ الْعَصْرِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى الْمَغْرِبَ مَرَّتَيْنِ وَيَدُلُّ لِهَذَا مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute