للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

الْأَمْرِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَإِسْحَاقَ أَيْضًا حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْهُمَا وَجُمْلَةُ الْجُمْهُورِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ عَلَى النَّدْبِ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأَعْرَابِيِّ: تَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَك اللَّهُ» .

وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ ذِكْرُ الِاسْتِنْشَاقِ وَأَيْضًا، فَإِنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الِانْتِثَارِ مَعَ كَوْنِهِ مَأْمُورًا بِهِ مَعَ عَطْفِهِ عَلَى أَمْرِهِ بِالِاسْتِنْشَاقِ وَلِأَنَّهُ أَمَرَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ بِالتَّثْلِيثِ فِيهِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ اتِّفَاقًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ أَصْلَ الْأَمْرِ لِلنَّدَبِ وَأَجَابَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ عَنْهُ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَمْرُهُ بِالِاسْتِنْثَارِ أَمْرًا بِالْوُضُوءِ كَمَا قَدْ جَاءَ مُفَسَّرًا فِي غَيْرِ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثًا انْتَهَى.

(الرَّابِعَةُ) لَيْسَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ وَهَمَّامٍ تَعَرُّضٌ لِعَدَدِ الِاسْتِنْشَاقِ.

وَفِي رِوَايَةِ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بَيَانُ كَوْنِهِ ثَلَاثًا، وَهِيَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّثْلِيثِ فِي الِاسْتِنْشَاقِ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَكِنْ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ يَسْتَنْشِقُ مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ أَوْ مِنْ ثَلَاثَةِ أَكُفَّ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا أَيْضًا هَلْ يَفْصِلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَضْمَضَةِ مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ أَوْ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا. وَالْأَصَحُّ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ إنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ وَصَحَّحَ الرَّافِعِيُّ الْفَصْلَ بَيْنَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[فَائِدَةٌ حِكْمَةِ الِاسْتِنْشَاق] ١

(الْخَامِسَةُ) فِي بَيَانِ حِكْمَةِ الِاسْتِنْشَاقِ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيَاشِيمِهِ» فَبَيَّنَ سَبَبَ الْأَمْرِ، وَهُوَ تَطْهِيرُ آثَارِ الشَّيْطَانِ، وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ احْتِمَالَيْنِ فِي أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَنَّهُ يَبِيتُ عَلَى الْخَيَاشِيمِ جَمْعُ خَيْشُومٍ، وَهُوَ أَعْلَى الْأَنْفِ أَوْ هُوَ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ؛ لِأَنَّ مَا يَنْعَقِدُ مِنْ الْغُبَارِ وَرُطُوبَةِ الْخَيَاشِيمِ قَذَارَةٌ تُوَافِقُ الشَّيْطَانَ.

قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ: وَهَذَا عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي نِسْبَتِهِمْ الْمُسْتَخْبَثَ، وَالْمُسْتَبْشَعَ إلَى الشَّيْطَانِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} [الصافات: ٦٥] وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عِبَارَةً عَنْ تَكْسِيلِهِ عَنْ الْقِيَامِ لِلصَّلَاةِ كَمَا قَالَ «يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ» الْحَدِيثَ وَلَا مَانِعَ مِنْ الْحَقِيقَةِ، وَإِذَا حَمَلْنَاهُ عَلَيْهَا فَقَدْ يُقَالُ هَذَا مَخْصُوصٌ بِالْوُضُوءِ الَّذِي يَعْقُبُ النَّوْمَ، وَقَدْ حَكَى بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّ الْعُلَمَاءَ ذَكَرُوا لِلِاسْتِنْشَاقِ مَعْنًى آخَرَ فَذَكَرُوا أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي تَقْدِيمِهِ وَتَقْدِيمِ الْمَضْمَضَةِ وَغَسْلِ الْكَفَّيْنِ عَلَى غَسْلِ الْأَعْضَاءِ الْوَاجِبَةِ حَتَّى يَعْرِفَ الْمُتَوَضِّئُ بِذَلِكَ أَوْصَافَ الْمَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>