. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
أَنَّ الْمُحَرَّمَ مِنْ الظَّنِّ مَا يُصِرُّ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ وَيَسْتَمِرُّ فِي قَلْبِهِ دُونَ مَا يَعْرِضُ فِي الْقَلْبِ وَلَا يَسْتَقِرُّ فَإِنَّ هَذَا لَا يُكَلَّفُ بِهِ كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ «تَجَاوَزَ اللَّهُ تَعَالَى عَمَّا تَحَدَّثَتْ بِهِ الْأُمَّةُ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ أَوْ تَعْمَلْ» وَسَبَقَ تَأْوِيلُهُ عَلَى الْخَوَاطِرِ الَّتِي لَا تَسْتَقِرُّ وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّ الظَّنَّ الَّذِي يَأْثَمُ بِهِ أَنْ يَظُنَّ ظَنًّا وَيَتَكَلَّمَ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ لَمْ يَأْثَمْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ الْحُكْمُ فِي الشَّرْعِ بِالظَّنِّ الْمُجَرَّدِ دُونَ بِنَاءٍ عَلَى أَصْلٍ وَلَا تَحْقِيقِ نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ. .
[فَائِدَة الظَّنُّ الشَّرْعِيُّ] ١
(الثَّالِثَةُ) : قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ الظَّنُّ هُنَا هُوَ التُّهْمَةُ وَمَحَلُّ التَّحْذِيرِ وَالنَّهْيِ إنَّمَا هُوَ تُهْمَةٌ لَا سَبَبَ لَهَا بِوَجْهٍ كَمَنْ يُتَّهَمُ بِالْفَاحِشَةِ أَوْ بِشُرْبِ الْخَمْرِ وَلَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَدَلِيلُ كَوْنِ الظَّنِّ هُنَا بِمَعْنَى التُّهْمَةِ قَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا «وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا:» وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَقَعُ لَهُ خَاطِرُ التُّهْمَةِ ابْتِدَاءً فَيُرِيدُ أَنْ يَتَجَسَّسَ خَبَرَ ذَلِكَ وَيَبْحَثَ عَنْهُ وَيَتَبَصَّرَ وَيَتَسَمَّعَ لِيُحَقِّقَ مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ تِلْكَ التُّهْمَةِ فَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ «إذَا ظَنَنْت فَلَا تُحَقِّقْ:» وَقَالَ تَعَالَى {وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا} [الفتح: ١٢] وَذَلِكَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ تَطَيَّرُوا بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِأَصْحَابِهِ حِينَ انْصَرَفُوا إلَى الْحُدَيْبِيَةِ فَقَالُوا إنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ أَكْلَةُ رَأْسٍ فَلَنْ يَرْجِعُوا إلَيْكُمْ أَبَدًا فَذَلِكَ ظَنُّهُمْ السَّيِّئّ الَّذِي وَبَّخَهُمْ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَهُوَ مِنْ نَوْعِ مَا نَهَى الشَّرْعُ عَنْهُ إلَّا أَنَّهُ أَقْبَحُ النَّوْعِ فَأَمَّا الظَّنُّ الشَّرْعِيُّ الَّذِي هُوَ تَغْلِيبُ أَحَدِ الْمُجَوَّزَيْنِ أَوْ بِمَعْنَى الْيَقِينِ فَغَيْرُ مُرَادٍ مِنْ الْحَدِيثِ وَلَا مِنْ الْآيَةِ يَقِينًا فَلَا يُلْتَفَتُ لِمَنْ اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى إنْكَارِ الظَّنِّ الشَّرْعِيِّ كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي الْأُصُولِ.
[فَائِدَة انْتِهَاكُ أَعْرَاضِ الْمُسْلِمِينَ بِظَنِّ السَّوْءِ فِيهِمْ] ١
(الرَّابِعَةُ) : هَذَا الْحَدِيثُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات: ١٢] وَقَدْ تَبَيَّنَ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالظَّنِّ فِي الْحَدِيثِ بَعْضُهُ لِقَوْلِهِ {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ} [الحجرات: ١٢] وَالْمُرَادُ انْتِهَاكُ أَعْرَاضِ الْمُسْلِمِينَ بِظَنِّ السَّوْءِ فِيهِمْ وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ سِيَاقَ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى غَايَةِ صَوْنِ الْأَعْرَاضِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى نَهَى عَنْ الْخَوْضِ فِي ذَلِكَ بِالظَّنِّ، فَقَدْ يَقُولُ الْقَائِلُ أَنَا لَا أَقُولُ بِالظَّنِّ وَلَكِنْ أَتَجَسَّسُ فَأَتَكَلَّمُ عَنْ تَحْقِيقٍ فَقَالَ تَعَالَى {وَلا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: ١٢]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute