. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيِّ حَيْثُ ذَهَبَا إلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ تَارِكُ الصَّلَاةِ بَلْ يُحْبَسُ وَيُعَزَّرُ إلَى أَنْ يُصَلِّيَ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ مُقْتَضٍ لِلْقَتْلِ، وَإِنَّمَا لَمْ نَقُلْ بِالتَّكْفِيرِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَدِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِعَدَمِ تَكْفِيرِهِ فَحَمَلْنَا الْكُفْرَ عَلَى أَنَّ عُقُوبَتَهُ عُقُوبَةُ الْكَافِرِ، وَهُوَ الْقَتْلُ وَيَدُلُّ لِلْقَائِلِينَ بِقَتْلِهِ حَدِيثُ «نُهِيت عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ» ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفَائِدَةِ الْأُولَى مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ.
(السَّادِسَةُ) قَوْلُهُ: فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّرْكِ هُنَا عُمُومُ التَّرْكِ بَلْ الْمُرَادُ التَّرْكُ عَمْدًا قَطْعًا عَلَى قَوْلِ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَقَوْلِ مَنْ تَأَوَّلَهُ أَيْضًا، وَقَدْ صَرَّحَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَحَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْفَائِدَةِ الثَّانِيَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى» وَقَوْلُهُ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ، وَالنِّسْيَانُ» ، وَقَوْلُهُ: «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا لَا وَقْتَ لَهَا إلَّا ذَلِكَ» .
[فَائِدَةٌ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِقَتْلِ تَارِكِ الصَّلَاةِ هَلْ يُسْتَتَابُ أَمْ لَا]
(السَّابِعَةُ) اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِقَتْلِ تَارِكِ الصَّلَاةِ هَلْ يُسْتَتَابُ أَمْ لَا؟ وَفِيهِ قَوْلَانِ لِلْمَالِكِيَّةِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْمُفْهِمِ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: إنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِتَابَةِ قَبْلَ الْقَتْلِ وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ فِي التَّحْقِيقِ أَنَّهُ تُنْدَبُ الِاسْتِتَابَةُ وَلَا تَجِبُ وَقِيلَ تَجِبُ، وَهَذَا لَيْسَ بِجَيِّدٍ، فَإِنَّ هَذَا الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الِاسْتِتَابَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ فِي الْحَالِ، فِيهِ قَوْلَانِ.
وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الِاسْتِحْبَابِ كَمَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ أَمَّا وُجُوبُ الِاسْتِتَابَةِ فَلَمْ يَحْكِ فِيهِ الرَّافِعِيُّ خِلَافًا فِي الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ فِي اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْوُجُوبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ اسْتَشْكَلَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا سُقُوطَ الْقَتْلِ بِالتَّوْبَةِ فِي حَقِّ تَارِكِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقْتَلُ حَدًّا لَا كُفْرًا، وَالتَّوْبَةُ لَا تُسْقِطُ الْحُدُودَ كَمَنْ سَرَقَ نِصَابًا، ثُمَّ رَدَّهُ إلَى صَاحِبِهِ، فَإِنَّ الْحَدَّ لَا يَسْقُطُ.
[فَائِدَةٌ الصَّلَاةُ الْمَتْرُوكَةُ عَمْدًا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ قَضَائِهَا] ١
(الثَّامِنَةُ) الصَّلَاةُ الْمَتْرُوكَةُ عَمْدًا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ قَضَائِهَا فَذَهَبَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ إلَى وُجُوبِ قَضَائِهَا وَذَهَبَ ابْنُ حَزْمٍ إلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا يَجِبُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ، وَقَدْ قَيَّدَ الشَّارِعُ الْمَأْمُورَ بِالْقَضَاءِ بِالنَّائِمِ، وَالنَّاسِي فِي قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» ، وَهَذَا مَفْهُومُ شَرْطٍ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الرَّاجِحِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ.
وَاخْتَارَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ كَقَوْلِ ابْنِ حَزْمٍ وَبَالَغَ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابٍ لَهُ سَمَّاهُ الْأَعْرَابُ فَادَّعَى فِيهِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهَا