للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

أَنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ اقْرَأْ، وَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجَمَاهِيرُ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَفِيهِ قَوْلَانِ آخَرَانِ.

(أَحَدُهُمَا) أَنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: ١] رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ بَلْ بَاطِلٌ وَإِنَّمَا نَزَلَتْ بَعْدَ فَتْرَةِ الْوَحْيِ.

(ثَانِيهِمَا) أَنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ سُورَةُ الْفَاتِحَةِ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ وَوَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ، وَقَالَ هَذَا مُنْقَطِعٌ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْ نُزُولِهَا بَعْدَ مَا نَزَلَتْ عَلَيْهِ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: ١] وَ {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: ١] وَقَالَ النَّوَوِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ هَذَا الْقَوْلَ: بُطْلَانُهُ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ.

[فَائِدَة إنَّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ آيَةٌ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ]

(السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ) وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَصَّارِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ: فِيهِ رَدٌّ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ إنَّ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) آيَةٌ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ وَهَذِهِ أَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ عَلَيْهِ لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَجَوَابُ الْمُثْبِتِينَ لَهَا أَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ أَوَّلًا بَلْ نَزَلَتْ الْبَسْمَلَةُ فِي وَقْتٍ آخَرَ كَمَا نَزَلَ بَاقِي السُّورَةِ فِي وَقْتٍ آخَرَ، وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي قَوْلِهِ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: ١] وُجُوبُ اسْتِفْتَاحِ الْقِرَاءَةِ بِبَسْمِ اللَّهِ غَيْرَ أَنَّهُ أَمْرٌ مُبْهَمٌ لَمْ يُبَيَّنْ لَهُ بِأَيِّ اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ رَبِّهِ يُفْتَتَحُ؟ حَتَّى جَاءَ الْبَيَانُ بَعْدُ فِي قَوْلِهِ {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} [هود: ٤١] ثُمَّ قَوْلُهُ {وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل: ٣٠] ثُمَّ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْزِلُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَعَ كُلِّ سُورَةٍ، وَقَدْ ثَبَتَتْ فِي سَوَادِ الْمُصْحَفِ بِإِجْمَاعٍ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ فَهِيَ مِنْ الْقُرْآنِ، قَالَ وَلَا نَلْتَزِمُ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا آيَةٌ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ وَلَا مِنْ الْفَاتِحَةِ بَلْ هِيَ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مُقْتَرِنَةٌ مَعَ السُّورَةِ وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد وَأَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلٌ بَيِّنُ الْقُوَّةِ لِمَنْ أَنْصَفَ، (قُلْت) إذَا كَانَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَزَلَ بِهَا مَعَ كُلِّ سُورَةٍ فَهِيَ مِنْ السُّورَةِ إذْ لَيْسَتْ سُورَةً مُنْفَرِدَةً بِالْإِجْمَاعِ وَإِلَّا يَزِيدُ عَدَدُ السُّوَرِ عَمَّا ذَكَرُوهُ زِيَادَةً كَثِيرَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) قَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي قَوْلِهِ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: ١] أَيْ إنَّك لَا تَقْرَأْهُ بِحَوْلِك وَلَا بِصِفَةِ نَفْسِك وَلَا بِمَعْرِفَتِك وَلَكِنْ اقْرَأْ مُفْتَتِحًا بِاسْمِ رَبِّك مُسْتَعِينًا بِهِ فَهُوَ يُعَلِّمُك كَمَا خَلَقَك وَكَمَا نَزَعَ عَنْك عَلَقَ الدَّمِ وَمَغْمَزَ الشَّيْطَانِ بَعْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>