للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

مِنْ قَائِلِهِ وَذَرِيعَةٌ إلَى مُضَاهَاةِ قَوْلِ الدَّهْرِيَّةِ وَالْمُعَطِّلَةِ، وَيُفَسِّرُهُ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: «فَإِنِّي أَنَا الدَّهْرُ أُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ» فَهَذَا هُوَ مَعْنَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُفَسِّرُونَ مِنْ أَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ فِي الدَّهْرِ هُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَالدَّهْرُ بِيَدِهِ زَمَانَ الدُّنْيَا، قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَحَدُ مَفْعُولَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ بَلْ هُوَ فِعْلُهُ كَمَا قِيلَ (أَنَا الْمَوْتُ) وَكَمَا قَالَ تَعَالَى {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [آل عمران: ١٤٣] وَإِنَّمَا رَأَوْا أَسْبَابَهُ، وَقَدْ شَبَّهَ جَهَلَةُ الدَّهْرِيَّةِ وَكَفَرَةُ الْمُعَطِّلَةِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ الدَّهْرَ عِنْدَهُمْ حَرَكَاتُ الْفَلَكِ وَأَمَدُ الْعَالَمِ، وَلَا شَيْءَ عِنْدَهُمْ سِوَاهُ وَلَا صَانِعَ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ مِنْهُمْ سِوَاهُ، فَإِذَا كَانَ عِنْدَهُمْ هُوَ الْمُرَادُ بِاَللَّهِ، فَكَيْفَ يُصَرِّفُ وَيُقَلِّبُ الشَّيْءَ نَفْسَهُ؟ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ كُفْرِهِمْ وَضَلَالِهِمْ انْتَهَى.

[فَائِدَة الْبَارِئُ تَعَالَى لَا يَتَأَذَّى مِنْ شَيْءٍ] ١

(السَّابِعَةُ) قَوْلُهُ: «يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ» قَالَ الْمَازِرِيُّ: هُوَ مَجَازٌ وَالْبَارِئُ تَعَالَى لَا يَتَأَذَّى مِنْ شَيْءٍ فَيُحْمَلُ أَنْ يُرِيدَ، أَنَّ هَذَا عِنْدَكُمْ إذًا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا أَحَبَّ آخَرَ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَسُبَّهُ لِعِلْمِهِ أَنَّ السَّبَّ يُؤْذِيهِ، وَالْمَحَبَّةُ تَمْنَعُ مِنْ الْأَذَى وَمِنْ فِعْلِ مَا يَكْرَهُهُ الْمَحْبُوبُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: يَفْعَلُ مَا أَنْهَاهُ عَنْهُ وَمَا يُخَالِفُنِي فِيهِ، وَالْمُخَالَفَةُ فِيهَا أَذًى فِيمَا بَيْنَكُمْ فَتَجُوزُ فِيهَا فِي حَقِّ الْبَارِئِ سُبْحَانَهُ انْتَهَى.

وَأَحْسَنَ النَّوَوِيُّ التَّعْبِيرَ عَنْ ذَلِكَ مُخْتَصَرًا بِقَوْلِهِ: مَعْنَاهُ يُعَامِلُنِي مُعَامَلَةً تُوجِبُ الْأَذَى فِي حَقِّكُمْ.

[فَائِدَة قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ وَأَنَا الدَّهْرُ] ١

(الثَّامِنَةُ) قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ: «وَأَنَا الدَّهْرُ» هُوَ بِرَفْعِ الرَّاءِ عَلَى الْخَبَرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى بِقَوْلِهِ «فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ» قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ الَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَجَمَاهِيرُ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُد الْأَصْبَهَانِيُّ الظَّاهِرِيُّ إنَّمَا هُوَ الدَّهْرَ بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِ أَيْ أَنَا مُدَّةُ الدَّهْرِ، أُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ فَيَكُونُ الْخَبَرُ إمَّا قَوْلُهُ: بِيَدِي الْأَمْرُ، وَإِمَّا قَوْلُهُ: أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ.

وَقَالَ النَّحَّاسُ: يَجُوزُ النَّصْبُ أَيْ فَإِنَّ اللَّهَ بَاقٍ مُقِيمٌ أَبَدًا لَا يَزُولُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الِاخْتِصَاصِ، قَالَ وَالظَّرْفُ أَيْ بِتَقْدِيرِ النَّصْبِ أَصَحُّ وَأَصْوَبُ.

وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ: إنَّ الرِّوَايَةَ الصَّحِيحَةَ الْمَشْهُورَةَ فِيهِ الرَّفْعُ، وَاَلَّذِي حَمَلَ رَاوِي النَّصْبِ عَلَى ذَلِكَ خَوْفَ أَنْ يُقَالَ إنَّ الدَّهْرَ مِنْ أَسْمَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>