. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
عَلَى الْكَرْمِ كُرِهَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يُسَمَّى هَذَا الْمُحَرَّمَ بِاسْمٍ يُهَيِّجُ طِبَاعَهُمْ إلَيْهِ عِنْدَ ذِكْرِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ كَالْمُحَرِّكِ عَلَى الْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ، قَالَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مَحَلَّ النَّهْيِ إنَّمَا هُوَ تَسْمِيَةُ الْعِنَبِ بِالْكَرْمِ وَلَيْسَتْ الْعِنَبَةُ مُحَرَّمَةً، وَإِنَّمَا الْمُحَرَّمَةُ الْخَمْرُ، وَلَمْ تُسَمَّ الْخَمْرُ عِنَبًا حَتَّى يُنْهَى عَنْهَا، وَإِنَّمَا الْعِنَبُ هُوَ الَّذِي يُسَمَّى خَمْرًا بِاسْمِ مَا يَئُولَ إلَيْهِ مِنْ الْخَمْرِيَّةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: ٣٦] وَقَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ «كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُسَمِّيَ هَذَا الْمُحَرَّمَ بِاسْمٍ يُهَيِّجُ الطِّبَاعَ إلَيْهِ» لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَنْهَ عَنْ تَسْمِيَةِ الْمُحَرَّمِ الَّذِي هُوَ الْخَمْرُ بِالْعِنَبِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَلْ عَنْ تَسْمِيَةِ الْعِنَبِ بِالْكَرْمِ، فَتَأَمَّلْهُ تَرْشُدْ.
(السَّادِسَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَتِمَّةِ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ الَّذِي حَكَاهُ عَنْ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ: إنَّمَا يَسْتَحِقُّ هَذَا الِاسْمَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ أَوْ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ؛ لِأَنَّ الْكَرْمَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْكَرَمِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣] فَسُمِّيَ كَرْمًا لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِيمَانِ وَالْهُدَى وَالنُّورِ وَالتَّقْوَى وَالصِّفَاتِ الْمُسْتَحَقَّةِ لِهَذَا الِاسْمِ، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ بَعْدَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَإِنَّمَا مَحْمَلُ هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدِي مَحْمَلُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِالطَّوَّافِ» .
«وَلَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرْعَةِ وَإِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ» أَيْ الْأَحَقُّ بِاسْمِ الْكَرْمِ الْمُسْلِمُ أَوْ قَلْبُ الْمُسْلِمِ، وَذَلِكَ لِمَا حَوَاهُ مِنْ الْعُلُومِ وَالْفَضَائِلِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَالْمَنَافِعِ الْعَامَّةِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِاسْمِ الْكَرِيمِ وَالْكَرْمِ مِنْ الْعِنَبِ (قُلْت) : وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فَقَالَ بَابُ «قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا الْكَرْمُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ» وَقَدْ قَالَ: «إنَّمَا الْمُفْلِسُ الَّذِي يُفْلِسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» كَقَوْلِهِ: «إنَّمَا الصُّرْعَةُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ» وَكَقَوْلِهِ «لَا مَلِكَ إلَّا اللَّهُ» فَوَصَفَهُ بِانْتِهَاءِ الْمُلْكِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْمُلُوكَ أَيْضًا فَقَالَ {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا} [النمل: ٣٤] .
[فَائِدَة مَعْنَى الْحَبَلَةُ] ١
(السَّابِعَةُ) الْحَبَلَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِفَتْحِ الْبَاءِ وَبِإِسْكَانِهَا وَالْفَتْحُ أَكْثَرُ وَأَفْصَحُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ: أَصْلُ الْكَرْمَةِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ شَجَرَةُ الْعِنَبِ، وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ الْقَضِيبُ مِنْ الْكَرْمِ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْأَصْلُ أَوْ الْقَضِيبُ مِنْ شَجَرِ الْأَعْنَابِ، وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ: الْحَبَلَةُ أَيْ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْبَاءِ وَالْحُبْلَةُ أَيْ بِضَمِّ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ الْكَرْمُ وَقِيلَ الْأَصْلُ مِنْ أُصُولِ الْكَرْمِ وَالْحَبَلُ أَيْ بِفَتْحِ الْحَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute