للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ «لَا تَقُولُوا الْكَرْمُ وَلَكِنْ قُولُوا الْعِنَبُ وَالْحَبَلَةُ» .

(الثَّانِيَةُ) فِيهِ النَّهْيُ عَنْ تَسْمِيَةِ الْعِنَبِ كَرْمًا وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّحْرِيمِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْكَرَاهَةِ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ

وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: هُوَ عَلَى جِهَةِ الْإِرْشَادِ لِمَا هُوَ الْأَوْلَى فِي الْإِطْلَاقِ انْتَهَى.

وَفِي اسْتِعْمَالِ لَفْظِ الْإِرْشَادِ هُنَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْإِرْشَادَ مَا تَعَلَّقَ بِمَصْلَحَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ، وَالْمَصْلَحَةُ هُنَا دِينِيَّةٌ كَمَا سَتَعْرِفُهُ فَاسْتِعْمَالُ النَّوَوِيِّ لَفْظَ الْكَرَاهَةِ أَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الثَّالِثَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ: فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ كَرَاهِيَةُ تَسْمِيَةِ الْعِنَبِ كَرْمًا وَكَرَاهِيَةُ تَسْمِيَةِ شَجَرِ الْعِنَبِ كَرْمًا، بَلْ يُقَالُ عِنَبٌ أَوْ حَبَلَةٌ (قُلْت) لَيْسَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ التَّصْرِيحُ بِالنَّهْيِ عَنْ تَسْمِيَةِ شَجَرِ الْعِنَبِ كَرْمًا إلَّا أَنْ يُقَالَ الْعِنَبُ يُطْلَقُ عَلَى الثَّمَرَةِ نَفْسِهَا وَعَلَى الشَّجَرَةِ الْمُثْمِرَةِ كَذَلِكَ، فَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَيْهَا عَلَى قَاعِدَةِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ حَمْلِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَعْنَيَيْهِ أَوْ يَكُونُ إطْلَاقُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا حَقِيقَةً وَعَلَى الْآخَرِ مَجَازًا فَيُحْمَلُ اللَّفْظُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، وَيَكُونُ حُكْمُ أَحَدِهِمَا مَأْخُوذًا مِنْ النَّصِّ، وَالْآخَرُ مِنْ الِاسْتِنْبَاطِ.

(الرَّابِعَةُ) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: إنَّمَا سَمَّتْ الْعَرَبُ الْعِنَبَ بِالْكَرْمِ لِكَثْرَةِ حَمْلِهِ وَسُهُولَةِ قِطَافِهِ وَكَثْرَةِ مَنَافِعِهِ، وَأَصْلُ الْكَرْمِ الْكَثْرَةُ وَالْكَرِيمُ مِنْ الرِّجَالِ هُوَ الْكَثِيرُ الْعَطَاءِ وَالنَّفْعِ، يُقَالُ: رَجُلٌ كَرِيمٌ وَكَرَّامٌ لِمَنْ كَانَ كَذَلِكَ وَكَرَّامٌ لِمَنْ كَثُرَ مِنْهُ ذَلِكَ وَهِيَ لِلْمُبَالَغَةِ، وَيُقَالُ أَيْضًا: رَجُلٌ كَرَمٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَامْرَأَةٌ كَرَمٌ وَرِجَالٌ كَرَمٌ وَنِسَاءٌ كَرَمٌ وُصِفَ بِالْمَصْدَرِ عَلَى حَدِّ عَدْلٍ وَزُورٍ وَفِطْرٍ انْتَهَى.

(الْخَامِسَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ سَبَبُ كَرَاهَةِ ذَلِكَ أَنَّ لَفْظَةَ الْكَرْمِ كَانَتْ الْعَرَبُ تُطْلِقُهَا عَلَى شَجَرَةِ الْعِنَبِ وَعَلَى الْعِنَبِ وَعَلَى الْخَمْرِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْعِنَبِ سَمَّوْهَا كَرْمًا لِكَوْنِهَا مُتَّخَذَةً مِنْهَا؛ وَلِأَنَّهَا تُحْمَلُ عَلَى الْكَرَمِ وَالسَّخَاءِ فَكَرِهَ الشَّرْعُ إطْلَاقَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ عَلَى الْعِنَبِ وَشَجَرِهِ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا سَمِعُوا اللَّفْظَةَ رُبَّمَا تَذَكَّرُوا الْخَمْرَ، وَهَيَّجَتْ نُفُوسَهُمْ إلَيْهَا فَوَقَعُوا فِيهَا، أَوْ قَارَبُوا ذَلِكَ وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ نَحْوًا مِنْهُ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: إنَّمَا نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ تَسْمِيَةِ الْعِنَبِ بِالْكَرْمِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حُرِّمَ الْخَمْرُ عَلَيْهِمْ وَكَانَتْ طِبَاعُهُمْ تَحُثُّهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>