للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَنَافَسُوا وَلَا

ــ

[طرح التثريب]

إنَّمَا كَانَ ذُو الْوَجْهَيْنِ مِنْ شَرِّ النَّاسِ؛ لِأَنَّ حَالُ الْمُنَافِقِينَ إذْ هُوَ مُتَمَلِّقٌ بِالْبَاطِلِ وَبِالْكَذِبِ مُدْخِلٌ لِلْفَسَادِ بَيْنَ النَّاسِ وَالشُّرُورِ وَالتَّقَاطُعِ وَالْعُدْوَانِ وَالْبَغْضَاءِ وَالتَّنَافُرِ.

(الثَّالِثَةُ) : (فَإِنْ قُلْت) : كَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيْنَ الْحَدِيثِ الْآخَرِ الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ائْذَنُوا لَهُ فَبِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ فَلَمَّا دَخَلَ أَلَانَ لَهُ الْقَوْلَ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْت لَهُ الَّذِي قُلْت ثُمَّ أَلَنْت لَهُ الْقَوْلَ؟ قَالَ يَا عَائِشَةُ إنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ» (قُلْت) : لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُثْنِ عَلَيْهِ فِي وَجْهِهِ وَلَا قَالَ كَلَامًا يُضَادُّ مَا قَالَهُ فِي حَقِّهِ فِي غَيْبَتِهِ إنَّمَا تَأَلَّفَهُ بِشَيْءٍ مِنْ الدُّنْيَا مَعَ لِينِ الْكَلَامِ لَهُ، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ تَأَلُّفًا لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ فِي الْبَاطِنِ حِينَئِذٍ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ فَبَيَّنَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِيُعْرَفَ وَلَا يُغْتَرَّ بِهِ وَتَأَلَّفَهُ رَجَاءَ صِحَّةِ إيمَانِهِ وَقَدْ كَانَ مِنْهُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعْدَهُ مَا دَلَّ عَلَى ضَعْفِ إيمَانِهِ وَارْتَدَّ مَعَ الْمُرْتَدِّينَ وَجِيءَ بِهِ أَسِيرًا إلَى أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. .

[فَائِدَة شَهَادَةُ ذِي الْوَجْهَيْنِ] ١

(الرَّابِعَةُ) : أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ: لِأَنَّهُ إنْ كَانَ شَرَّ النَّاسِ أَوْ مِنْ شَرِّ النَّاسِ فَلَيْسَ مِمَّنْ يَرْضَى وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: ٢٨٢] وَلَا شَكَّ فِي دَلَالَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى تَحْرِيمِ هَذَا الْفِعْلِ، وَأَنَّهُ كَبِيرَةٌ وَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَهُوَ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ.

(الْخَامِسَةُ) : وَصْفُهُ بِأَنَّهُ شَرُّ النَّاسِ ذَمٌّ عَظِيمٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُؤَوَّلُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الَّتِي فِيهَا «مِنْ شَرِّ النَّاسِ» وَقَدْ يُؤَوَّلُ عَلَى أَنَّهُ شَرُّ هَؤُلَاءِ النَّاسِ الْمُتَضَادِّينَ فَإِنَّ كُلَّ فِرْقَةٍ مِنْ الْفِرْقَتَيْنِ الْمُتَضَادَّتَيْنِ الْمُتَعَانِدَتَيْنِ مُجَانِبَةٌ لِلْأُخْرَى مُظْهِرَةٌ لِعَدَاوَتِهَا لَا يُتَمَكَّنُ مِنْ الِاطِّلَاعِ عَلَى أَسْرَارِهَا وَهَذَا بِفِعْلِهِ يُخَادِعُ الْفِرْقَتَيْنِ وَيَطَّلِعُ عَلَى أَسْرَارِهِمْ فَهُوَ شَرٌّ مِنْ الْفِرْقَتَيْنِ مَعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[حَدِيث إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ]

الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَنَافَسُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>