للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

فِي أَوَائِلِ الْحَجِّ.

(الثَّالِثَةُ) اُخْتُلِفَ فِي نُزُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِبَطْحَاءَ ذِي الْحُلَيْفَةِ عَلَى أَقْوَالٍ:

(أَحَدُهَا) أَنَّ ذَلِكَ جَرَى اتِّفَاقًا لَا عَنْ قَصْدٍ فَهُوَ كَبَقِيَّةِ مَنَازِلِ الْحَجِّ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا هُوَ مِثْلُ الْمَنَازِلِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَنَازِلِ طَرِيقِ مَكَّةَ وَبَلَغَنَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَتْبَعُ آثَارَهُ تِلْكَ فَيَنْزِلُ بِهَا فَكَذَلِكَ قِيلَ مِثْلُ ذَلِكَ بِالْمُعَرَّسِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ هَذَا تَوْجِيهًا لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مَنْ مَرَّ بِالْمُعَرَّسِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ رَاجِعًا مِنْ مَكَّةَ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُعَرِّسَ بِهِ حَتَّى يُصَلِّي فَعَلَ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ.

(ثَانِيهَا) أَنَّهُ قَصَدَ النُّزُولَ بِهِ لَكِنْ لَا لِمَعْنَى فِيهِ حَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا نَزَلَ بِهِ فِي رُجُوعِهِ حَتَّى يُصْبِحَ لِئَلَّا يَفْجَأَ النَّاسُ أَهَالِيهمْ لَيْلًا كَمَا نَهَى عَنْهُ صَرِيحًا فِي الْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ (ثَالِثُهَا) أَنَّهُ نَزَلَ بِهِ قَصْدًا لِمَعْنًى فِيهِ وَهُوَ التَّبَرُّكُ بِهِ وَيَدُلُّ لَهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَتَى بِهِ فَقِيلَ لَهُ إنَّك بِبَطْحَاءَ مُبَارَكَةٍ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضًا صَلَاتُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِهِ وَمَا فُهِمَ مِنْ لَفْظِ الْحَدِيثِ مِنْ مُوَاظَبَتِهِ عَلَى النُّزُولِ بِهِ لَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ بَلْ هُوَ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُجَاوِزَ الْمُعَرَّسَ إذَا قَفَلَ حَتَّى يُصَلِّيَ فِيهِ وَأَنَّهُ مَنْ مَرَّ بِهِ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلَاةٍ فَلْيَقُمْ حَتَّى تَحِلَّ الصَّلَاةُ ثُمَّ يُصَلِّيَ مَا بَدَا لَهُ لِأَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَّسَ بِهِ وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ أَنَاخَ بِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَاسْتَحَبَّهُ الشَّافِعِيُّ وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ وَقَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي لَيْسَ نُزُولُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْمُعَرَّسِ كَسَائِرِ مَنَازِلِ طَرِيقِ مَكَّةَ لِأَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الْفَرِيضَةَ حَيْثُ أَمْكَنَهُ وَالْمُعَرَّسُ إنَّمَا كَانَ يُصَلِّي فِيهِ نَافِلَةً.

وَلَا وَجْهَ لِتَزْهِيدِ النَّاسِ فِي الْخَيْرِ وَلَوْ كَانَ الْمُعَرَّسُ كَسَائِرِ الْمَنَازِلِ مَا أَنْكَرَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى نَافِعٍ تَأَخُّرَهُ عَنْهُ وَذَكَرَ حَدِيثَ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سَبَقَهُ إلَى الْمُعَرَّسِ فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَا حَبَسَك؟ فَذَكَرَ عُذْرًا فَقَالَ ظَنَنْت أَنَّك أَخَذْت الطَّرِيقَ وَلَوْ فَعَلْت لَأَوْجَعْتُك ضَرْبًا

[فَائِدَةٌ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ النُّزُول بِبَطْحَاءِ ذِي الْحُلَيْفَةِ] ١

(رَابِعُهَا) أَنَّهُ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَهَذَا شَيْءٌ اقْتَضَتْ عِبَارَةُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ حِكَايَتَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ وَمَنَاسِكِهِ الَّتِي يَجِبُ عَلَى تَارِكِهَا فِدْيَةٌ أَوْ دَمٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>