للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ إلَى جَوَازِهِ عَلَيْهِ كَمَا وَقَعَ فِي أَحَادِيثِ السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ.

وَأَمَّا الثَّانِي فَالْأَكْثَرُ مِنْ طَبَقَاتِ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ عَلَى جَوَازِ السَّهْوِ وَالْغَلَطِ فِيهِ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَأَبَى ذَلِكَ بَعْضُ مَنْ تَأَخَّرَ عَنْ زَمَنِهِ وَقَالُوا إنَّ أَقْوَالَهُ وَأَفْعَالَهُ وَإِقْرَارَهُ كُلَّهُ بَلَاغٌ مِنْ حَيْثُ التَّأَسِّي بِهِ وَلَمْ يُصَرِّحْ فِي ذَلِكَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ عَمْدٍ أَوْ سَهْوٍ قَالَ الشَّيْخُ فَإِنْ كَانَ يَقُولُ بِأَنَّ السَّهْوَ وَالْعَمْدَ سَوَاءٌ فِي الْأَفْعَالِ فَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِ ثُمَّ إنَّ مَنْ أَجَازَ عَلَيْهِمْ السَّهْوَ فِي الْأَفْعَالِ الَّتِي طَرِيقُهَا الْبَلَاغُ يَشْتَرِطُونَ أَنَّ الرُّسُلَ لَا تُقَرُّ عَلَى السَّهْوِ وَالْغَلَطِ بَلْ يُنَبَّهُونَ عَلَيْهِ عَلَى الْفَوْرِ كَمَا فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ.

وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ كَمَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ عَنْهُمْ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ عَلَى الْفَوْرِ بَلْ عَلَى التَّرَاخِي فِي بَقِيَّةِ الْعُمْرِ وَإِلَيْهِ مَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْأَفْعَالِ فَأَمَّا الْأَقْوَالُ فَهِيَ أَيْضًا عَلَى نَوْعَيْنِ مَا طَرِيقُهُ الْبَلَاغُ وَهُمْ مَعْصُومُونَ فِيهِ مِنْ السَّهْوِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَمَا لَيْسَ طَرِيقُهُ الْبَلَاغَ مِنْ الْأَخْبَارِ الَّتِي لَا مُسْتَنَدَ لَهَا إلَى الْأَحْكَامِ وَلَا أَخْبَارِ الْمَعَادِ وَلَا تُضَافُ إلَى وَحْيٍ بَلْ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا وَأَحْوَالِ نَفْسِهِ.

قَالَ الْقَاضِي فَاَلَّذِي يَجِبُ اعْتِقَادُهُ تَنْزِيهُهُ عَنْ الْحَلِفِ فِيهَا لَا عَمْدًا وَلَا سَهْوًا وَلَا غَلَطًا وَأَنَّهُ مَعْصُومٌ مِنْ ذَلِكَ فِي حَالِ رِضَاهُ وَفِي حَالِ سَخَطِهِ وَجِدِّهِ وَمَزْحِهِ وَصِحَّتِهِ وَمَرَضِهِ قَالَ وَدَلِيلُ ذَلِكَ اتِّفَاقُ السَّلَفِ وَإِجْمَاعُهُمْ عَلَيْهِ وَأَطَالَ الْكَلَامَ إلَى أَنْ قَالَ فَلْيُقْطَعْ عَنْ يَقِينٍ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ خُلْفٌ فِي الْقَوْلِ فِي وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ.

لَا بِقَصْدٍ وَلَا بِغَيْرِ قَصْدٍ وَلَا يُتَسَامَحُ مَعَ مَنْ سَامَحَ فِي تَجْوِيزِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ حَالَ السَّهْوِ فِيمَا لَيْسَ طَرِيقُهُ الْبَلَاغَ وَمَا ادَّعَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ مِنْ الْإِجْمَاعِ خَالَفَهُ الْقُرْطُبِيُّ فَقَالَ فِي الْمُفْهِمِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ السَّهْوَ عَلَيْهِ جَائِزٌ مُطْلَقًا إذْ هُوَ وَاحِدٌ مِنْ نَوْعِ الْبَشَرِ فَيَجُوزُ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ إذَا لَمْ يَقْدَحْ فِي حَالِهِ وَعَلَيْهِ نَبَّهَ حَيْثُ قَالَ «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ» .

غَيْرَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْهُ فِيمَا طَرِيقُهُ بَلَاغُ الْأَحْكَامِ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا لَا يُقَرُّ عَلَى نِسْيَانِهِ بَلْ يُنَبَّهُ عَلَيْهِ إذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ الْمُبَلِّغِ فَإِنْ أُقِرَّ عَلَى نِسْيَانِهِ لِذَلِكَ فَذَلِكَ مِنْ بَابِ النَّسْخِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى} [الأعلى: ٦] {إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأعلى: ٧] وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ «لَمْ تَقْصُرْ وَلَمْ أَنْسَهُ» فِي الْفَائِدَةِ السَّابِعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَائِدَة اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ فِي الرِّوَايَةِ]

{الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ}

<<  <  ج: ص:  >  >>