للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهُ، وَقَدْ يُقَالُ هَذَا الْمَفْهُومُ غَيْرُ الْمَعْمُولِ بِهِ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فِي أَنَّ النَّاسَ لَا يَتَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ إلَّا لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِمْ فَيَفْعَلُونَ ذَلِكَ ضِيقًا وَضَجَرًا، وَسُخْطًا لِلْمَقْدُورِ، وَلَمْ تَجْرِ عَادَةُ النَّاسِ بِتَمَنِّي الْمَوْتِ بِغَيْرِ سَبَبٍ، وَمَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لَا مَفْهُومَ لَهُ، وَلَعَلَّ هَذَا أَرْجَحُ فَيَكُونُ تَمَنِّي الْمَوْتِ فِي صُورَةِ انْتِفَاءِ الضَّرَرِ الدُّنْيَوِيِّ وَالْأُخْرَوِيِّ مَنْهِيًّا عَنْهُ أَيْضًا، وَقَدْ يُسْتَثْنَى مِنْ النَّهْيِ صُورَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ مَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ شَوْقًا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَقَدْ فَعَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ، وَرَوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: " لَيَأْتِيَنَّ عَلَيْكُمْ زَمَانٌ يَأْتِي الرَّجُلُ إلَى الْقَبْرِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي مَكَانَ هَذَا لَيْسَ بِهِ حُبُّ اللَّهِ، وَلَكِنَّ مِنْ شِدَّةِ مَا يَرَى مِنْ الْبَلَاءِ "، وَهَذَا فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ مِثْلُهُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ فَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ وَالدُّعَاءَ بِهِ جَائِزٌ إنْ كَانَ لِمَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ، وَهُوَ خَوْفُ الْفِتْنَةِ فِي دِينِهِ أَوْ الشَّوْقُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ إنْ كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ، وَمَكْرُوهٌ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ، وَفِي حَدِيثِ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا «، وَإِذَا أَرَدْت بِالنَّاسِ فِتْنَةً فَتَوَفَّنِي إلَيْك غَيْرَ مَفْتُونٍ» ، وَقَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ مَرْيَمَ - عَلَيْهَا السَّلَامُ - {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا} [مريم: ٢٣] .

[فَائِدَة الْحِكْمَة مِنْ لِنَهْيِ عَنْ تمني الْمَوْت] ١

{الْخَامِسَةُ} إنْ قُلْت إذَا كَانَتْ الْآجَالُ مَقْدِرَةً لَا يَزْدَادُ فِيهَا، وَلَا يُنْقَصُ مِنْهَا فَمَا الَّذِي يُؤَثِّرُ تَمَنِّي الْمَوْتِ فِي ذَلِكَ، وَمَا الْحِكْمَةُ مِنْ النَّهْيِ عَنْهُ قُلْت هَذَا هُوَ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلنَّهْيِ عَنْهُ لِأَنَّهُ عَبَثٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَفِيهِ مُرَاغَمَةُ الْمَقْدُورِ، وَعَدَمُ الرِّضَا بِهِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِ الْمُؤْمِنِ لَا يَزِيدُهُ عُمُرُهُ إلَّا خَيْرًا فَإِنْ قُلْت إذَا تَقَرَّرَ أَنَّ التَّمَنِّي لِلْمَوْتِ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْأَعْمَالِ لِتَقْدِيرِهَا فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْيَهُودِ أَنَّهُمْ لَوْ تَمَنَّوْا الْمَوْتَ لَمَاتُوا جَمِيعًا قُلْت ذَاكَ قَالَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَحْيٍ خَاصٍّ أُوحِيَ إلَيْهِ فِي حَقِّ أُولَئِكَ الْيَهُودِ أَنَّهُمْ لَوْ تَمَنَّوْا الْمَوْتَ لَمَاتُوا فَرُتِّبَتْ آجَالُهُمْ عَلَى وَصْفٍ إنْ وُجِدَ مِنْهُمْ مَاتُوا، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ بَقُوا إلَى وَقْتٍ مُقَدَّرٍ لَهُمْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ هَلْ يَتَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ فَتَقْرُبَ آجَالُهُمْ أَوْ لَمْ يَتَمَنَّوْنَهُ فَتَبْعُدَ آجَالُهُمْ، وَالْأَسْبَابُ مُقَدَّرَةٌ كَمَا أَنَّ الْمُسَبِّبَاتِ مُقَدَّرَةٌ، وَهَذَا كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «أَنَّهُ قِيلَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَأَيْت رُقًى نَسْتَرْقِي بِهَا وَدَوَاءً نَتَدَاوَى بِهِ هَلْ يَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا؟ فَقَالَ هِيَ مِنْ قَدَرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>