. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
إذَا كَانَ لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَتَى تُوَافِيهِ مَنِيَّتُهُ فَتَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يُرِيدُ مِنْ ذَلِكَ. انْتَهَى. وَقَوْلُهُ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ الظَّاهِرُ أَنَّ أَصْلَهُ أَنْ يَبِيتَ لِيُؤَوَّلَ بِالْمَصْدَرِ أَيْ مَا حَقُّهُ بَيْتُوتَتُهُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَهُوَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ تَصْرِيحُهُ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ مِنْ طَرِيقِ فُضَيْلٍ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ فِيهَا «أَنْ يَبِيتَ» .
[فَائِدَة الْحَثُّ عَلَى الْوَصِيَّةِ] ١
(الثَّالِثَةُ) فِيهِ الْحَثُّ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْأَمْرِ بِهَا لَكِنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ لَا وَاجِبَةٌ، وَذَهَبَ دَاوُد وَابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ إلَى وُجُوبِهَا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ الزُّهْرِيُّ وَحَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ رَوَيْنَا إيجَابَ الْوَصِيَّةِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَكَانَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ يُشَدِّدَانِ فِي الْوَصِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى وَطَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ وَطَاوُسٍ وَالشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِمْ. انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَجَعَلَ الْقَائِلِينَ بِالْوُجُوبِ شَاذِّينَ لَا يُعَدُّونَ خِلَافًا وَتَمَسَّكَ الْمُوجِبُونَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَا دَلَالَةَ لَهُمْ فِيهِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ كَيْفَ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ «يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ» فَجَعَلَ ذَلِكَ مُتَعَلِّقًا بِإِرَادَتِهِ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ فِي هَذَا اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ فَقَدْ قَيَّدَهُ فِي كُلِّ الرِّوَايَاتِ بِقَوْلِهِ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ وَذَلِكَ هُوَ الدُّيُونُ الَّتِي تَكُونُ عَلَيْهِ فَهُوَ الشَّيْءُ الَّذِي يُوصَى فِيهِ وَلَوْ نَظَرْنَا إلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي لَفْظُهَا «مَالٌ يُوصَى فِيهِ» فَالدَّيْنُ الَّذِي عَلَيْهِ مَالٌ وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: ١٨٠] فَإِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ كَانَ يَجِبُ عَلَى الْمُحْتَضَرِ أَنْ يُوصِيَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِمَا أَرَادَ ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: ١١] الْآيَاتِ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ الْمَالُ لِلْوَلَدِ وَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ فَنَسَخَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحَبَّ فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَجَعَلَ لِلْأَبَوَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسَ وَجَعَلَ لِلْمَرْأَةِ الثُّمُنَ وَالرُّبُعَ وَلِلزَّوْجِ الشَّطْرَ وَالرُّبُعَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعِكْرِمَةَ وَمُجَاهِدٍ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ.
قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute