وَعَنْ عُبَيْدَةَ قَالَ «قَالَ عَلِيٌّ لِأَهْلِ النَّهْرَوَانِ: فِيهِمْ رَجُلٌ مَثْدُونُ الْيَدِ أَوْ مُودَنُ الْيَدِ أَوْ مُخْدَجُ الْيَدِ لَوْلَا أَنْ تَبْطُرُوا لَأَنْبَأْتُكُمْ مَا قَضَى اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ لِمَنْ قَتَلَهُمْ: قَالَ عُبَيْدَةُ فَقُلْت لِعَلِيٍّ أَنْتَ
ــ
[طرح التثريب]
بَلْ طَلَبُوا ذَلِكَ عَلَى الِاتِّهَامِ، وَلَا مَعْنَى لِوُقُوفِ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ عَنْ تَعْيِينِ الْمُحِقِّ مِنْ الْفِئَتَيْنِ مَعَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَقْتُلُ عَمَّارًا الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» ، وَمِنْ هَذَا بَوَّبَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ (الْبُغَاةُ) لِمَا بَيِّنَاهُ مِنْ مَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ الْفِئَةَ الْمُقَاتِلَةَ لِعَلِيٍّ هِيَ الْبَاغِيَةُ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَأَوِّلَةً طَالِبَةً لِلْحَقِّ فِي ظَنِّهَا غَيْرَ مَذْمُومَةٍ بَلْ مَأْجُورَةٍ عَلَى الِاجْتِهَادِ، وَلَا سِيَّمَا الصَّحَابَةُ مِنْهُمْ فَإِنَّ الْوَاجِبَ تَحْسِينُ الظَّنِّ بِهِمْ، وَأَنْ يُتَأَوَّلَ لَهُمْ مَا فَعَلُوهُ بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِفَضْلِهِمْ، وَمَا عَهِدْنَاهُ مِنْ حُسْنِ مَقْصِدِهِمْ ثُمَّ إنَّ عَدَالَتَهُمْ قَطْعِيَّةٌ لَا تَزُولُ بِمُلَابَسَةِ شَيْءٍ مِنْ الْفِتَنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
{الثَّالِثَةُ} لَمْ يَتَعَرَّضْ فِي الْحَدِيثِ لِحُكْمِ هَذَا الْقِتَالِ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ بِوُقُوعِهِ خَاصَّةً، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يُقَاتِلُ فِي فِتَنِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ دَخَلُوا عَلَيْهِ بَيْتَهُ، وَطَلَبُوا قَتْلَهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْمُدَافَعَةُ عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّ الطَّالِبَ مُتَأَوِّلٌ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَغَيْرِهِ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ لَا يَدْخُلُ فِيهَا لَكِنْ إنْ قُصِدَ دَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ وَهَذَانِ الْمَذْهَبَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَى تَرْكِ الدُّخُولِ فِي جَمِيعِ فِتَنِ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ مُعْظَمُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَعَامَّةِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ يَجِبُ نَصْرُ الْحَقِّ فِي الْفِتَنِ وَالْقِيَامُ مَعَهُ وَمُقَاتَلَةُ الْبَاغِينَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: ٩] هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَالْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى مَنْعِ الْمُقَاتَلَةِ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ الْمُحِقُّ أَوْ عَلَى طَائِفَتَيْنِ ظَالِمَتَيْنِ لَا تَأْوِيلَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْأَوَّلُونَ لَظَهَرَ الْفَسَادُ، وَاسْتَطَالَ أَهْلُ الْبَغْيِ وَالْمُبْطِلُونَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[حَدِيث قَالَ عَلِيٌّ لِأَهْلِ النَّهْرَوَانِ]
الْحَدِيثُ الثَّانِي.
وَعَنْ عُبَيْدَةَ قَالَ «قَالَ عَلِيٌّ لِأَهْلِ النَّهْرَوَانِ فِيهِمْ رَجُلٌ مَثْدُونُ الْيَدِ أَوْ مُودَنُ الْيَدِ أَوْ مُخْدَجُ الْيَدِ لَوْلَا أَنْ تَبْطُرُوا لَأَنْبَأْتُكُمْ مَا قَضَى اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ لِمَنْ قَتَلَهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute