. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
فَكُلُّ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَلَامِ أَصْلًا فَهُوَ أَعْجَمُ قَالَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ، وَقَوْلُهُ «جَرْحُهَا» قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ هُوَ هُنَا بِفَتْحِ الْجِيمِ عَلَى الْمَصْدَرِ لَا غَيْرُ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ فَأَمَّا الْجُرْحُ بِالضَّمِّ فَهُوَ الِاسْمُ، وَقَوْلُهُ جُبَارٌ بِضَمِّ الْجِيمِ بَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ مُخَفَّفَةٌ وَآخِرُهُ رَاءٌ وَهُوَ الْهَدَرُ الَّذِي لَا ضَمَانَ فِيهِ، وَذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ بِنَاءَ ج ب ر لِلرَّفْعِ وَالْإِهْدَارُ مِنْ بَابِ السَّلْبِ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ يَأْتِي اسْمُ الْفِعْلِ وَالْفَاعِلِ لِسَلْبِ مَعْنَاهُ كَمَا يَأْتِي لِإِثْبَاتِ مَعْنَاهُ وَاعْتَرَضَهُ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِجَعْلِهِ مِنْ السَّلْبِ بَلْ هُوَ لِلرَّفْعِ عَلَى بَابِهِ؛ لِأَنَّ إتْلَافَاتِ الْآدَمِيِّينَ مَضْمُونَةٌ مَقْهُورٌ مُتْلِفُهَا عَلَى ضَمَانِهَا، وَهَذَا إتْلَافٌ قَدْ ارْتَفَعَ عَلَى أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ انْتَهَى.
وَيَجُوزُ فِي إعْرَابِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ «جَرْحُهَا جُبَارٌ» جُمْلَةً مِنْ مُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ وَهِيَ خَبَرٌ عَنْ الْمُبْتَدَأِ الَّذِي هُوَ الْعَجْمَاءُ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ جَرْحُهَا بَدَلًا مِنْ الْعَجْمَاءِ وَهُوَ بَدَلُ اشْتِمَالٍ وَالْخَبَرُ قَوْلُهُ «جُبَارٌ» وَالْكَلَامُ جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَالْمَصْدَرُ فِي قَوْلِهِ «جَرْحُهَا» مُضَافٌ لِلْفَاعِلِ أَيْ كَوْنُ الْعَجْمَاءِ تَجْرَحُ غَيْرَهَا مَضْمُونٌ.
[فَائِدَة جرح الْبَهِيمَة] ١
(الثَّالِثَةُ) فِيهِ أَنَّ جَرْحَ الْبَهِيمَةِ هَدَرٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ، وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ عَبَّرَ بِالْجَرْحِ عَمَّا عَدَاهُ مِنْ إتْلَافِهَا سَوَاءٌ أَكَانَ لِجَرْحٍ أَوْ غَيْرِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ، فَإِنْ قُلْت وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ» وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِجَرْحِهَا قُلْت تِلْكَ الرِّوَايَةُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ تَقْدِيرٍ إذْ لَا مَعْنَى لِكَوْنِ الْعَجْمَاءِ نَفْسِهَا هَدَرًا، وَقَدْ دَلَّتْ رِوَايَةُ غَيْرِهِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْمُقَدَّرُ هُوَ الْجَرْحُ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ لَكِنَّ الْحُكْمَ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهِ بَلْ هُوَ مِثَالٌ مِنْهُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى مَا عَدَاهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَوْ لَمْ تَدُلَّ رِوَايَةٌ أُخْرَى عَلَى تَعْيِينِ ذَلِكَ الْمُقَدَّرِ لَمْ يَكُنْ لِرِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ عُمُومٌ فِي جَمِيعِ الْمُقَدَّرَاتِ الَّتِي يَسْتَقِيمُ الْكَلَامُ بِتَقْدِيرِ وَاحِدٍ مِنْهَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُورُ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ ثُمَّ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْبَهِيمَةُ مُنْفَرِدَةً أَوْ مَعَهَا صَاحِبُهَا وَبِهَذَا قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ فَلَمْ يُضَمِّنُوا صَاحِبَهَا، وَلَوْ كَانَ مَعَهَا إلَّا إنْ كَانَ الْفِعْلُ مَنْسُوبًا إلَيْهِ بِأَنْ حَمَلَهَا عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ فِيهِمَا إذَا كَانَ رَاكِبًا أَوْ قَادَهَا حَتَّى أَتْلَفَتْ مَا مَشَتْ عَلَيْهِ فِيمَا إذَا كَانَ قَائِدًا أَوْ حَمَلَهَا عَلَيْهِ بِضَرْبٍ أَوْ نَخْذٍ أَوْ زَجْرٍ فِيمَا إذَا كَانَ سَائِقًا، فَإِنْ أَتْلَفَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute