للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

وَالرِّوَايَاتُ يُفَسِّرُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَالْخَلْقُ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلِهِ بِمَا ذُكِرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الثَّالِثَةُ) : قَوْلُهُ «فِي كِتَابِهِ:» يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ غَيْرُهُ وَقَوْلُهُ «فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ» لَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِ ظَاهِرِ لَفْظِهِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهَا حَضْرَةُ الشَّيْءِ وَاَللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ الِاسْتِقْرَارِ وَالتَّحَيُّزِ وَالْجِهَةِ فَالْعِنْدِيَّةُ لَيْسَتْ مِنْ حَضْرَةِ الْمَكَانِ بَلْ مِنْ حَضْرَةِ الشَّرَفِ أَيْ وَضَعَ ذَلِكَ الْكِتَابَ فِي مَحَلٍّ مُعَظَّمٍ عِنْدَهُ.

[فَائِدَة غَضَبُ اللَّهِ وَرِضَاهُ] ١

(الرَّابِعَةُ) : قَالَ الْمَازِرِيُّ غَضَبُ اللَّهِ وَرِضَاهُ يَرْجِعَانِ إلَى إرَادَتِهِ لِإِثَابَةِ الْمُطِيعِ وَمَنْفَعَةِ الْعَبْدِ وَعِقَابِ الْعَاصِي وَضَرَرِ الْعَبْدِ فَالْأَوَّلُ مِنْهُمَا يُسَمَّى رَحْمَةً وَالثَّانِي يُسَمَّى غَضَبًا وَإِرَادَةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ قَدِيمَةٌ أَزَلِيَّةٌ بِهَا يُرِيدُ سَائِرَ الْمُرَادَاتِ فَيَسْتَحِيلُ فِيهَا الْغَلَبَةُ وَالسَّبْقُ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ هُنَا مُتَعَلَّقُ الْإِرَادَةِ مِنْ النَّفْعِ وَالضُّرِّ فَكَانَ رِفْقُهُ بِالْخَلْقِ وَنِعَمُهُ عِنْدَهُمْ أَغْلَبَ مِنْ نِقَمِهِ وَسَابِقَةً لَهَا وَإِلَى هَذَا يَرْجِعُ مَعْنَى الْحَدِيثِ وَقَدْ اخْتَلَفَ شُيُوخُنَا فِي مَعْنَى الرَّحْمَةِ هَلْ ذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى نَفْسِ الْإِرَادَةِ لِلتَّنْعِيمِ أَوْ إلَى التَّنْعِيمِ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا الِاعْتِذَارِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى نَفْسِ الْإِرَادَةِ.

وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْغَلَبَةُ هُنَا، وَالسَّبْقُ بِمَعْنًى وَالْمُرَادُ بِهَا الْكَثْرَةُ وَالشُّمُولُ كَمَا يُقَالُ غَلَبَ عَلَى فُلَانٍ حُبُّ الْمَالِ أَوْ الْكَرَمُ أَوْ الشَّجَاعَةُ إذَا كَانَ أَكْثَرَ خِصَالِهِ وَحَكَى النَّوَوِيُّ هَذَا الْكَلَامَ الَّذِي نَقَلْنَاهُ عَنْ الْمَازِرِيِّ مُخْتَصَرًا عَنْ الْعُلَمَاءِ وَعَبَّرَ عَنْ الْكَلَامِ الْمَنْقُولِ عَنْ الْقَاضِي بِقَوْلِهِ قَالُوا وَذَكَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ نَحْوَ هَذَا الْكَلَامِ وَزَادَهُ إيضَاحًا بِقَوْلِهِ كَيْفَ لَا وَابْتِدَاؤُهُ الْخَلْقَ وَتَكْمِيلُهُ وَإِتْقَانُهُ وَتَرْتِيبُهُ وَخَلْقُ أَوَّلِ نَوْعِ الْإِنْسَانِ فِي الْجَنَّةِ كُلُّ ذَلِكَ بِرَحْمَتِهِ السَّابِقَةِ، وَكَذَلِكَ مَا رَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ النِّعَمِ وَالْأَلْطَافِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ رَحَمَاتٌ مُتَلَاحِقَةٌ وَلَوْ بَدَأَ بِالِانْتِقَامِ لَمَا كَمُلَ لِهَذَا الْعَالَمِ نِظَامٌ ثُمَّ الْعَجَبُ أَنَّ الِانْتِقَامَ بِهِ كَمُلَتْ الرَّحْمَةُ وَالْإِنْعَامُ وَذَلِكَ أَنَّ بِانْتِقَامِهِ مِنْ الْكَافِرِينَ كَمُلَتْ رَحْمَتُهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إذْ بِذَلِكَ حَصَلَ خَلَاصُهُمْ وَإِصْلَاحُهُمْ وَتَمَّ لَهُمْ دِينُهُمْ وَفَلَاحُهُمْ فَظَهَرَ لَهُمْ قَدْرُ رَحْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي صَرْفِ ذَلِكَ الِانْتِقَامِ عَنْهُمْ فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ رَحْمَتَهُ سَبَقَتْ غَضَبَهُ، وَإِنْعَامَهُ غَلَبَ انْتِقَامَهُ (قُلْت) : وَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّ الْكُفَّارَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ وَلَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إلَّا الْغَضَبُ الْمَحْضُ

<<  <  ج: ص:  >  >>