. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
كَانَ شَدِيدَ الْأَذَى لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِمْ كَلْبًا مِنْ كِلَابِك فَخَرَجَ عُتْبَةُ إلَى الشَّامِ مَعَ أَصْحَابِهِ فَنَزَلَ مَنْزِلًا فَطَرَقَهُمْ الْأَسَدُ فَتَخَطَّى إلَيْهِ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِهِ فَقَتَلَهُ» .
فَصَارَ الْأَسَدُ هَاهُنَا قَدْ لَزِمَهُ اسْمُ الْكَلْبِ قَالَ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: ٤] فَهَذَا اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنْ الْكَلْبِ ثُمَّ دَخَلَ فِيهِ صَيْدُ الْفَهْدِ وَالصَّقْرِ وَالْبَازِي فَلِهَذَا قِيلَ لِكُلِّ جَارِحٍ أَوْ عَاقِرٍ مِنْ السِّبَاعِ كَلْبٌ عَقُورٌ اهـ. وَقَدْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ عُتْبَةُ.
وَإِنَّمَا هُوَ عُتَيْبَةُ أَخُوهُ وَأَمَّا عُتْبَةُ فَإِنَّهُ بَقِيَ حَتَّى أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَهُوَ مَعْدُودٌ فِي الصَّحَابَةِ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ حَمْلَ الْكَلْبِ الْعَقُورِ هُنَا عَلَى كُلِّ سَبُعٍ مُفْتَرِسٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ.
وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ الْكَلْبُ الْعَقُورُ الْأَسَدُ فَإِنْ أَرَادَ التَّخْصِيصَ دُونَ التَّمْثِيلِ فَهُوَ قَوْلٌ ثَانٍ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْكَلْبُ الْمَعْرُوفُ خَاصَّةً إلَّا أَنَّهُمْ أَلْحَقُوا بِهِ فِي حُكْمِهِ الذِّئْبَ وَذَهَبَ زُفَرُ إلَى أَنَّ الْكَلْبَ الْعَقُورَ هُوَ الذِّئْبُ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ وَحَكَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَمَّنْ فَسَّرَهُ بِالْكَلْبِ الْمَعْرُوفِ بِأَنَّهُ الْمَعْنَى الْعُرْفِيُّ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى اللُّغَوِيِّ.
(الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) سَوَاءٌ حَمَلَ الْكَلْبَ عَلَى مَدْلُولِهِ الْمَعْرُوفِ أَوْ عَلَى كُلِّ سَبُعٍ مُفْتَرِسٍ فَتَقْيِيدُهُ بِالْعَقُورِ يُخْرِجُ غَيْرَهُ وَيَقْتَضِي أَنَّ غَيْرَ الْعَقُورِ مِنْ الْكِلَابِ مُحْتَرَمٌ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ وَالنَّوَوِيُّ فِي الْبَيْعِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَزَادَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الْحَجِّ إنَّ قَتْلَهُ مَكْرُوهٌ وَقَالَ النَّوَوِيُّ هُنَاكَ مُرَادُهُ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ.
وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي الْغَصْبِ أَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَرَمٍ وَكَذَا ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي التَّيَمُّمِ وَهَذِهِ مَوَاضِعُ مُخْتَلِفَةٌ وَقَالَ شَيْخُنَا الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ جَزَمَ بِالتَّحْرِيمِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ جَوَازُ قَتْلِهِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الْخِلَافِ فِي ثَمَنِ الْكَلْبِ انْتَهَى وَمَنْ يَقُولُ بِجَوَازِ قَتْلِ غَيْرِ الْعَقُورِ يُجِيبُ عَنْ هَذَا التَّقْيِيدِ بِأَنَّهُ لِلِاسْتِحْبَابِ وَغَيْرُ الْعَقُورِ يَجُوزُ قَتْلُهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) أَخْرَجَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِمَّنْ لَمْ يُقْصِرْ الْحُكْمَ عَلَى الْخَمْسِ مِنْ السِّبَاعِ الضَّبُعَ وَالثَّعْلَبَ وَمُدْرَكُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَوْنُهُمَا مَأْكُولَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute