. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ «يُؤْتِينِي عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ آتَانِي مِنْ قَبْلُ» مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَبْدَ يُؤْتِي اللَّهَ - تَعَالَى - عَلَى تَحْصِيلِ مَطْلُوبِهِ مَا لَمْ يَكُنْ أَتَاهُ مِنْ قَبْلِ تَحْصِيلِ مَطْلُوبِهِ فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى ذَمِّ ذَلِكَ وَأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يَأْتِيَ بِتِلْكَ الْقُرْبَةِ سَوَاءٌ حَصَلَ مَطْلُوبُهُ أَمْ لَا؛ فَهَذِهِ هِيَ الْعِبَادَةُ الْخَالِصَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الرَّابِعَةُ) هَذَا الْحَدِيثُ فِي أَصْلِنَا وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مَنْقُولٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ حِكَايَةٍ لَهُ عَنْ اللَّهِ - تَعَالَى - وَلَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ؛ لِقَوْلِهِ «قَدْ قَدَّرْتُهُ لَهُ» وَقَوْلُهُ «يُؤْتِينِي عَلَيْهِ» وَلِهَذَا كَانَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ لَعَلَّهُ (قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -) وَأَمَّا رِوَايَةُ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ فَهِيَ وَاضِحَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إسْنَادُ ضَمِيرٍ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى -.
(الْخَامِسَةُ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى ذَمِّ النَّذْرِ وَأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ وَأَنَّهُ لَا يَصْدُرُ إلَّا مِنْ بِخَيْلٍ لَا يُعْطِي الشَّيْءَ تَبَرُّعًا، وَإِنَّمَا يُعْطِي شَيْئًا فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ طَرِيقِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّصْرِيحُ بِالنَّهْيِ عَنْهُ لَكِنْ سِيَاقُهُ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي نَذْرِ الْمُجَازَاةِ وَهُوَ أَنْ يَلْتَزِمَ قُرْبَةً فِي مُقَابَلَةِ حُدُوثِ نِعْمَةٍ أَوْ انْدِفَاعِ بَلِيَّةٍ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي فِيهِ الْأَوْصَافُ الْمُقْتَضِيَةُ لِلذَّمِّ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ أَمَّا النَّذْرُ الْمُلْتَزَمُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقٍ عَلَى شَيْءٍ كَقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ أَوْ أُعْتِقَ فَلَيْسَ فِيهِ هَذَا الْمَعْنَى وَلَا يَقْتَضِي الْحَدِيثُ ذَمَّهُ وَلَا النَّهْيَ عَنْهُ عَلَى أَنَّ أَصْحَابَنَا يَرَوْنَ أَنَّ الْأَوَّلَ وَهُوَ نَذْرُ الْمُجَازَاةِ آكَدُ مِنْ الثَّانِي فَإِنَّهُمْ يَجْزِمُونَ بِصِحَّةِ الْأَوَّلِ وَلُزُومِ الْوَفَاءِ بِهِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَلَهُمْ فِي لُزُومِ الْوَفَاءِ بِالثَّانِي خِلَافٌ، وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ لُزُومُ الْوَفَاءِ بِهِ أَيْضًا، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذَا الْقِسْمَ الثَّانِيَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ وَتَقْدِيرُهُ أَنَّ الْبَخِيلَ لَا يَأْتِي بِالطَّاعَةِ إلَّا إذَا اتَّصَفَتْ بِالْوُجُوبِ فَيَكُونُ النَّذْرُ هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ لَهُ فِعْلَ الطَّاعَةِ لِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِهِ وَلَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ الْوُجُوبُ لَمْ يَأْتِ بِهِ فَيَكُونُ النَّذْرُ الْمُطْلَقُ مِمَّا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى مَا ذَكَرْتُهُ أَوَّلًا وَآخِرًا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْقُشَيْرِيُّ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ.
(السَّادِسَةُ) ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ النَّذْرِ» وَلَمْ يَذْكُرْ لِأَصْحَابِنَا مَنْقُولًا يُوَافِقُهُ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ فِي ذَلِكَ عَلَى نَقْلٍ، وَجَزَمَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِكَرَاهَةِ النَّذْرِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِالْحَدِيثِ ثُمَّ حَكَى عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute