. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
الثَّانِيَةُ) فِيهِ تَحْرِيمُ أَخْذِ مَالِ الْإِنْسَانِ بِغَيْرِ إذْنِهِ سَوَاءٌ كَانَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، وَإِنَّ اللَّبَنَ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ النَّاسِ قَدْ يَتَسَامَحُ فِيهِ لِيَسَارَةِ مُؤْنَتِهِ وَلَا سِيَّمَا مَا دَامَ فِي الضُّرُوعِ قَبْلَ أَنْ يُحْرَزَ فِي الْأَوَانِي وَفِي.
سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ إذْ رَأَيْنَا إبِلًا مَصْرُورَةً بِعِضَاهِ الشَّجَرِ فَثُبْنَا إلَيْهَا فَنَادَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَجَعْنَا إلَيْهِ فَقَالَ إنَّ هَذِهِ الْإِبِلَ لِأَهْلِ بَيْتٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ هُوَ قُوتُهُمْ وَيُمْنُهُمْ بَعْدَ اللَّهِ أَيَسُرُّكُمْ لَوْ رَجَعْتُمْ إلَى مَزَاوِدِكُمْ فَوَجَدْتُمْ مَا فِيهَا قَدْ ذُهِبَ بِهِ أَتَرَوْنَ ذَلِكَ عَدْلًا؟ قَالُوا لَا قَالَ فَإِنَّ هَذَا كَذَلِكَ» .
وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ (فَإِنْ قُلْت) كَيْفَ شَرِبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُمَا قَاصِدَانِ الْمَدِينَةِ فِي الْهِجْرَةِ مِنْ لَبَنِ غَنَمِ الرَّاعِي (قُلْت) أُجِيبُ عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ:
(أَحَدُهَا) أَنَّهُمَا شَرِبَاهُ إدْلَالًا عَلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُمَا كَانَا يَعْرِفَانِهِ.
(ثَانِيهَا) أَنَّهُ كَانَ أَذِنَ لِلرَّاعِي أَنْ يَسْقِيَ مِنْهُ مَنْ يَطْلُبُ.
(ثَالِثُهَا) أَنَّهُ كَانَ عُرْفُهُمْ إبَاحَةَ ذَلِكَ فَنَزَلَ الْأَمْرُ عَلَى عُرْفِهِمْ.
(رَابِعُهَا) أَنَّهُ مَالُ حَرْبِيٍّ لَا أَمَانَ لَهُ فَلَا حُرْمَةَ لَهُ.
(خَامِسُهَا) أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْلَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ.
وَذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّ هَذَا أَقْوَى الْأَجْوِبَةِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ أَضْعَفُهَا وَفِيهِ نَظَرٌ.
(الثَّالِثَةُ) يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْمُضْطَرُّ الَّذِي لَا يَجِدُ مَيْتَةً وَيَجِدُ طَعَامًا لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ لِلضَّرُورَةِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ الْجُمْهُورُ يَلْزَمُهُ بَدَلُهُ لِمَالِكِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ وَالْمُحَدِّثِينَ لَا يَلْزَمُهُ فَإِنْ وَجَدَ مَيْتَةً وَطَعَامًا لِغَيْرِهِ فَفِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ لِلْعُلَمَاءِ وَهُوَ فِي مَذْهَبِنَا وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَكْلُ الْمَيْتَةِ.
(الرَّابِعَةُ) يُسْتَثْنَى مِنْهُ أَيْضًا مَا إذَا كَانَ لَهُ إدْلَالٌ عَلَى صَاحِبِ اللَّبَنِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الطَّعَامِ بِحَيْثُ يَعْلَمُ أَوْ يَظُنُّ أَنَّ نَفْسَهُ تَطِيبُ بِأَكْلِهِ مِنْهُ فَيَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي ذَلِكَ صَرِيحًا وَعَلَيْهِ حَمْلُ قَوْله تَعَالَى {أَوْ صَدِيقِكُمْ} [النور: ٦١] وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ عَنْ أَشْهَبَ قَالَ خَرَجْنَا مُرَابِطِينَ إلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّة فَمَرَرْنَا بِجِنَانِ اللَّيْثِ فَدَخَلْت إلَيْهِ فَقُلْت يَا أَبَا الْحَارِثِ إنَّا خَرَجْنَا مُرَابِطِينَ وَمَرَرْنَا بِجِنَانِك فَأَكَلْنَا مِنْ الثَّمَرِ وَأَحْبَبْنَا أَنْ تَجْعَلَنَا فِي حِلٍّ فَقَالَ لِي