. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
عَنْ كَلَامِ ابْنِ مَنْدَهْ هَذَا فَاسْتَبْعَدَهُ، وَقَدْ تَتَبَّعْت كَلَامَ ابْنِ مَنْدَهْ فَوَجَدْت أَكْثَرَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ ذَكَرَ حَدِيثَهُمْ فِي الْبَابِ إنَّمَا لَهُمْ أَحَادِيثُ أُخْرَى فِي مُطْلَقِ النِّيَّةِ لَا هَذَا الْحَدِيثُ بِعَيْنِهِ. كَحَدِيثِ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ وَحَدِيثِ لَيْسَ لَهُ مِنْ غُزَاتِهِ إلَّا مَا نَوَى وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَهَكَذَا يَفْعَلُ التِّرْمِذِيُّ حَيْثُ يَقُولُ: وَفِي الْبَابِ عَنْ فُلَانٍ وَفُلَانٍ فَكَثِيرًا مَا يُرِيدُ بِذَلِكَ أَحَادِيثَ غَيْرَ الْحَدِيثِ الَّذِي يُسْنِدُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَلَكِنْ بِشَرْطِ كَوْنِهَا تَصْلُحُ أَنْ تُورَدَ فِي ذَلِكَ الْبَابِ، وَهُوَ عَمَلٌ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ إنَّمَا يَفْهَمُونَ إرَادَةَ ذَلِكَ الْحَدِيثِ الْمُعَيَّنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الرَّابِعَةُ) أَطْلَقَ بَعْضُهُمْ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ اسْمَ التَّوَاتُرِ وَبَعْضُهُمْ اسْمَ الشُّهْرَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ فَرْدٌ وَمَنْ أَطْلَقَ ذَلِكَ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الِاشْتِهَارَ أَوْ التَّوَاتُرَ فِي آخِرِ السَّنَدِ مِنْ عِنْدِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. قَالَ النَّوَوِيُّ: هُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى آخِرِهِ غَرِيبٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَوَّلِهِ قَالَ: وَلَيْسَ مُتَوَاتِرًا لِفَقْدِ شَرْطِ التَّوَاتُرِ فِي أَوَّلِهِ رَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَكْثَرُ مِنْ مِائَتِي إنْسَانٍ أَكْثَرُهُمْ أَئِمَّةٌ قُلْت رَوَيْنَا عَنْ الْحَافِظِ أَبِي مُوسَى مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ سَبْعُمِائَةِ رَجُلٍ.
(الْخَامِسَةُ) فِي إسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ لَطِيفَةٌ حَدِيثِيَّةٌ، وَهُوَ أَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ ثَلَاثَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ عَلْقَمَةُ، وَالتَّيْمِيُّ وَيَحْيَى، وَهُوَ كَثِيرٌ وَأَكْثَرُ مَا اجْتَمَعَ التَّابِعُونَ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ سِتَّةُ أَنْفُسٍ أَفْرَدَهُ الْخَطِيبُ بِالتَّصْنِيفِ فِي جُزْءٍ لَهُ، وَهُوَ حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ فِي فَضْلِ قِرَاءَةِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ.
(السَّادِسَةُ) هَذَا الْحَدِيثُ قَاعِدَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ حَتَّى قِيلَ فِيهِ: إنَّهُ ثُلُثُ الْعِلْمِ وَقِيلَ رُبْعُهُ وَقِيلَ خُمْسُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ إنَّهُ ثُلُثُ الْعِلْمِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ وَجَوَارِحِهِ فَالنِّيَّةُ أَحَدُ الْأَقْسَامِ، وَهِيَ أَرْجَحُهَا؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ عِبَادَةً بِانْفِرَادِهَا وَلِذَلِكَ كَانَتْ نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرًا مِنْ عَمَلِهِ وَهَكَذَا أَوَّلَهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَكَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِكَوْنِهِ ثُلُثَ الْعِلْمِ مَعْنًى آخَرَ، فَإِنَّهُ قَالَ: أُصُولُ الْإِسْلَامِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحَادِيثَ: حَدِيثُ الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» وَحَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ «الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ» .
وَقَالَ أَبُو دَاوُد اجْتَهَدْت فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute