. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
أَعْمَالُ الْجَوَارِحِ كُلِّهَا حَتَّى تَدْخُلَ فِي ذَلِكَ الْأَقْوَالُ، فَإِنَّهَا عَمَلُ اللِّسَانِ، وَهُوَ مِنْ الْجَوَارِحِ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَرَأَيْت بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَهْلِ الْخِلَافِ خَصَّصَ الْأَعْمَالَ بِمَا لَا يَكُونُ قَوْلًا وَأَخْرَجَ الْأَقْوَالَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: وَفِي هَذَا عِنْدِي بُعْدٌ وَلَا تَرَدُّدَ عِنْدِي فِي أَنَّ الْحَدِيثَ يَتَنَاوَلُ الْأَقْوَالَ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْعَاشِرَةُ) النِّيَّاتُ جَمْعُ نِيَّةٍ، وَالْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ تَشْدِيدُ الْيَاءِ فِي الْجَمْعِ وَحَكَى فِيهِ النَّوَوِيُّ التَّخْفِيفَ، وَقَدْ وَرَدَ الْحَدِيثُ بِلَفْظِ الْإِفْرَادِ أَيْضًا فِي النِّيَّةِ وَفِي الْعَمَلِ أَيْضًا وَكُلُّهُ فِي الصَّحِيحِ وَاخْتُلِفَ فِي حَقِيقَةِ النِّيَّةِ فَقِيلَ هِيَ الطَّلَبُ وَقِيلَ الْجِدُّ فِي الطَّلَبِ وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ: مِنْ يَنْوِ الدُّنْيَا تُعْجِزُهُ أَيْ مَنْ يَجِدُّ فِي طَلَبِهَا وَقِيلَ الْقَصْدُ لِلشَّيْءِ بِالْقَلْبِ وَقِيلَ عَزِيمَةُ الْقَلْبِ، وَقِيلَ هِيَ مِنْ النَّوَى بِمَعْنَى الْبُعْدِ فَكَأَنَّ النَّاوِيَ لِلشَّيْءِ يَطْلُبُ بِقَصْدِهِ وَعَزْمِهِ مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ بِجَوَارِحِهِ وَحَرَكَاتِهِ الظَّاهِرَةِ لِبُعْدِهِ عَنْهُ فَجُعِلَتْ النِّيَّةُ وَسِيلَةً إلَى بُلُوغِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ حَذْفِ الْمُضَافِ وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَقْدِيرِهِ فَاَلَّذِينَ اشْتَرَطُوا النِّيَّةَ قَدَّرُوا صِحَّةَ الْأَعْمَالِ بِالنِّيَّاتِ أَوْ مَا يُقَارِبُهُ وَاَلَّذِينَ لَمْ يَشْتَرِطُوهَا قَدَّرُوا كَمَالَ الْأَعْمَالِ بِالنِّيَّاتِ أَوْ مَا يُقَارِبُهُ، وَقَدْ رُجِّحَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الصِّحَّةَ أَكْثَرُ لُزُومًا لِلْحَقِيقَةِ مِنْ الْكَمَالِ فَالْحَمْلُ عَلَيْهَا أَوْلَى، قَالَ: وَقَدْ يُقَدِّرُونَهُ إنَّمَا اعْتِبَارُ الْأَعْمَالِ بِالنِّيَّاتِ وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ قَاضِي الْقُضَاةِ شَمْسُ الدِّينِ السُّرُوجِيُّ أَنَّ التَّقْدِيرَ ثَوَابُهَا لَا صِحَّتُهَا؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَطَّرِدُ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَعْمَالِ يُوجَدُ وَيُعْتَبَرُ شَرْعًا بِدُونِهَا، وَلِأَنَّ إضْمَارَ الثَّوَابِ مُنْفَقٌ عَلَى إرَادَتِهِ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ الصِّحَّةِ انْتِفَاءُ الثَّوَابِ دُونَ الْعَكْسِ فَكَانَ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ أَقَلَّ إضْمَارًا فَهُوَ أَوْلَى وَلِأَنَّ إضْمَارَ الْجَوَازِ، وَالصِّحَّةِ يُؤَدِّي إلَى نَسْخِ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ وَلِأَنَّ الْعَامِلَ فِي قَوْلِهِ بِالنِّيَّةِ مُقَدَّرٌ بِإِجْمَاعِ النُّحَاةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْأَعْمَالِ؛ لِأَنَّهَا رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ فَيَبْقَى بِلَا خَبَرٍ فَلَا يَجُوزُ فَالْمُقَدَّرُ إمَّا مُجْزِئَةٌ أَوْ صَحِيحَةٌ أَوْ مُثِيبَةٌ (فَمُثِيبَةٌ) أَوْلَى بِالتَّقْدِيرِ لِوَجْهَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا) أَنَّ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ لَا يَبْطُلُ أَصْلُ الْعَمَلِ وَعَلَى إضْمَارِ الصِّحَّةِ، وَالْإِجْزَاءِ يَبْطُلُ فَلَا يَبْطُلُ بِالشَّكِّ.
(الثَّانِي) أَنَّ قَوْلَهُ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى يَدُلُّ عَلَى الثَّوَابِ، وَالْأَجْرِ؛ لِأَنَّ الَّذِي لَهُ إنَّمَا هُوَ الثَّوَابُ، وَأَمَّا الْعَمَلُ فَعَلَيْهِ انْتَهَى.
وَفِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute