للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

وَلِلْعُبُودِيَّةِ مَضَاضَةٌ وَمَرَارَةٌ لَا تَضِيعُ عِنْدَ اللَّهِ.

(الرَّابِعَةُ) إنْ قُلْتَ: قَوْلُهُ " فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ " يُفْهَمُ أَنَّهُ يُؤْجَرُ عَلَى الْعَمَلِ الْوَاحِدِ مَرَّتَيْنِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُؤْجَرُ عَلَى كُلِّ عَمَلٍ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ يَأْتِي بِعَمَلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ عِبَادَةُ اللَّهِ وَالنُّصْحُ لِسَيِّدِهِ فَيُؤْجَرُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْعَمَلَيْنِ مَرَّةً وَكَذَا كُلُّ آتٍ بِطَاعَتَيْنِ يُؤْجَرُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ أَجْرُهَا وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْعَبْدِ بِذَلِكَ.

(قُلْت) يَحْتَمِلُ (وَجْهَيْنِ) :

(أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ لَمَّا كَانَ جِنْسُ الْعَمَلِ مُخْتَلِفًا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا طَاعَةُ اللَّهِ وَالْآخَرَ طَاعَةُ مَخْلُوقٍ خَصَّهُ بِحُصُولِ أَجْرِهِ مَرَّتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ الثَّوَابُ عَلَى عَمَلٍ لَا يَأْتِي فِي حَقِّ غَيْرِهِ بِخِلَافِ مَنْ لَا يَأْتِي فِي حَقِّهِ إلَّا طَاعَةً خَاصَّةً فَإِنَّهُ يُحَصِّلُ أَجْرَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً أَيْ عَلَى كُلِّ عَمَلٍ أَجْرٌ، وَأَعْمَالُهُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ لَكِنْ تَظْهَرُ مُشَارَكَةُ الْمُطِيعِ لِأَمِيرِهِ وَالْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا وَالْوَلَدِ لِوَالِدِهِ لَهُ فِي ذَلِكَ.

(ثَانِيهِمَا) يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِي الْعَمَلِ الْوَاحِدِ طَاعَةُ اللَّهِ وَطَاعَةُ سَيِّدِهِ فَيَحْصُلُ لَهُ عَلَى الْعَمَلِ الْوَاحِدِ الْأَجْرُ مَرَّتَيْنِ لِامْتِثَالِهِ بِذَلِكَ أَمْرَ اللَّهِ، وَأَمْرَ سَيِّدِهِ الْمَأْمُورِ بِطَاعَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْعَبْدَ لَمَّا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَمْرَانِ وَاجِبَانِ طَاعَةُ سَيِّدِهِ فِي الْمَعْرُوفِ وَطَاعَةُ رَبِّهِ فَقَامَ بِهِمَا جَمِيعًا كَانَ لَهُ ضِعْفَا أَجْرِ الْحُرِّ الْمُطِيعِ لِرَبِّهِ مِثْلَ طَاعَتِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَطَاعَ اللَّهَ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ مِنْ طَاعَةِ سَيِّدِهِ وَنُصْحِهِ، وَأَطَاعَهُ أَيْضًا فِيمَا افْتَرَضَ عَلَيْهِ وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى عِنْدِي أَنَّهُ مَنْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ فَرْضَانِ فَأَدَّاهُمَا كَانَ أَفْضَلَ مِمَّنْ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا فَرْضٌ وَاحِدٌ فَأَدَّاهُ فَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ وَصَلَاةٌ فَقَامَ بِهِمَا فَلَهُ أَجْرَانِ، وَمَنْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ، وَأَدَّى صَلَاتَهُ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ، وَعَلَى حَسَبِ هَذَا يُقْضَى فِيمَنْ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ فُرُوضٌ فَلَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا مِنْهَا وَعِصْيَانُهُ أَكْثَرُ مِنْ عِصْيَانِ مَنْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ إلَّا بَعْضُ تِلْكَ الْفُرُوضِ، وَقَدْ سُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ رَجُلٍ كَثِيرِ الْحَسَنَاتِ كَثِيرِ السَّيِّئَاتِ أَهُوَ أَحَبُّ إلَيْك أَمْ رَجُلٌ قَلِيلُ الْحَسَنَاتِ قَلِيلُ السَّيِّئَاتِ فَقَالَ. مَا أَعْدِلُ بِالسَّلَامَةِ شَيْئًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>