للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

نُظِرَ إنْ كَانَ الشَّخْصُ الْمَدْعُوُّ مِمَّنْ إذَا حَضَرَ رُفِعَ الْمُنْكَرُ فَلْيَحْضُرْ إجَابَةً لِلدَّعْوَةِ وَإِزَالَةً لِلْمُنْكَرِ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ:

(أَحَدُهُمَا) الْأَوْلَى أَنْ لَا يَحْضُرَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَحْضُرَ، وَلَا يَسْتَمِعَ، وَيُنْكِرَ بِقَلْبِهِ كَمَا لَوْ كَانَ يُضْرَبُ الْمُنْكَرُ فِي جِوَارِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ التَّحَوُّلُ، وَإِنْ بَلَغَهُ الصَّوْتُ، وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى الْعِرَاقِيُّونَ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ أَوْ بَعْضُهُمْ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ، وَحَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأُمِّ، وَالْمُخْتَصَرِ، وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اُبْتُلِيت بِهَذَا مَرَّةً، وَهَذَا لِأَنَّ إجَابَةَ الدَّعْوَةِ سُنَّةٌ فَلَا يَتْرُكُهَا لِمَا اقْتَرَنَتْ مِنْ الْبِدْعَةِ مِنْ غَيْرِهِ قَالَ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُقْتَدًى فَإِنْ كَانَ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَنْعِهِمْ يَخْرُجُ، وَلَا يَقْعُدُ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ شَيْنَ الدِّينِ وَفَتْحَ بَابِ الْمَعْصِيَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَالْمَحْكِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مُقْتَدًى، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى الْمَائِدَةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْعُدَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقْتَدًى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: ٦٨] قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ بَعْدَ الْحُضُورِ، وَلَوْ عَلِمَ قَبْلَ الْحُضُورِ لَا يَحْضُرُ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ حَقُّ الدَّعْوَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا هَجَمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ انْتَهَى.

(وَالْوَجْهُ الثَّانِي لِأَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَحْرُمُ الْحُضُورُ) لِأَنَّهُ كَالرِّضَى بِالْمُنْكَرِ وَإِقْرَارِهِ، وَبِهِ قَالَ الْمَرَاوِزَةُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَإِذَا قُلْنَا بِهِ فَلَمْ يَعْلَمْ حَتَّى حَضَرَ نَهَاهُمْ فَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا فَلْيَخْرُجْ، وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُ الْقُعُودِ إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَهُ الْخُرُوجُ بِأَنْ كَانَ فِي اللَّيْلِ، وَخَافَ فَيَقْعُدُ كَارِهًا، وَلَا يَسْتَمِعُ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ الثَّانِي جَرَى الْحَنَابِلَةُ قَالُوا فَإِنْ عَلِمَ بِالْمُنْكَرِ، وَلَمْ يَرَهُ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ فَلَهُ الْجُلُوسُ، وَكَذَا اعْتَبَرَ الْمَالِكِيَّةُ فِي وُجُوبِ الْإِجَابَةِ أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ مُنْكَرٌ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ أَمَّا اللَّهْوُ الْخَفِيفُ مِثْلُ الدُّفِّ فَلَا يَرْجِعُ، وَقَالَ أَصْبَغُ أَرَى أَنْ يَرْجِعَ قَالَ، وَقَدْ أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِذِي الْهَيْئَةِ أَنْ يَحْضُرَ مَوْضِعًا فِيهِ لَعِبٌ ثُمَّ حَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُقْتَدَى بِهِ وَغَيْرِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ امْتِنَاعُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ دُخُولِهِ بَيْتَهُ لَمَّا رَأَى فِيهِ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَبَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ (بَابُ هَلْ يَرْجِعُ إذَا رَأَى مُنْكَرًا فِي الدَّعْوَةِ) قَالَ، وَرَأَى ابْنُ مَسْعُودٍ صُورَةً فِي الْبَيْتِ فَرَجَعَ.

، وَدَعَا ابْنُ عُمَرَ أَبَا أَيُّوبَ فَرَأَى فِي الْبَيْتِ سِتْرًا عَلَى الْجِدَارِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ غَلَبْنَا عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>